حكومة نصف برلمانية
ان كان صحيحا ما يتردد عن رغبة النسور إشراك اعضاء من البرلمان الحالي بالاضافة الى وزراء جدد و وزراء " معتمدين دائمي العضوية " في اية وزارة ، فأن الحديث عن حكومة نصف برلمانية هي سابقة جديده وتشكيلة اخترعها الأردن ولم تحدث من قبل الى جانب ما يعرفه العالم من حكومات برلمانية جرى التعارف عليها منذ زمن ، فالحكومات البرلمانية المعروفة في العالم إما انها مشكلة من حزب واحد حاز على اغلبية برلمانية واسعة وهي ما تعرف بالحكومة الفريدة وتجدها في دول عدة كما كان في مصر او سوريا وبعض دول الحزب الحاكم ، أو أن تشكل من حزب اغلبية يشغل اكثر من نصف المقاعد كما في غالبية دول العالم ، وهناك حكومة أقلية لم تفز بغالبية المقاعد ولكنها تحظى بدعم كتل لم تشارك في الحكومة ، وهناك حكومات مركزه من جميع الكتل البرلمانية الحزبية، واخيرا مايعرف بحكومةالأئتلاف التي تتشكل من مجموعة احزاب تشكل غالبية المقاعد في البرلمان .
حكومة نصف برلمانية هي محاولة تسعى من خلالها الدولة الأردنية لتحقيق جملة من الأهداف ياتي على راسها إقناع العالم والولايات المتحدة الامريكية خاصة التي كانت تطالب بمزيد من المشاركة والديموقراطية وتتحفظ على طبيعة ادارة العملية الديموقراطية في الاردن ، ان الأردن قد حقق مبدأ الحكومات البرلمانية ويسعى الى المزيد من العمل بعد أن حقق انتخابات نيابية شملت قوائم قيل أنها حزبية ، كما يسعى الاردن من خلال هذه الوصفة الجديدة في تشكيل الحكومات الى ارضا اعضاء مجلس النواب وضمان الاستقرار ودعم الحكومة في ظل توجهات النسور زيادة اعباء الناس ورفع أسعار الكهرباء وغيرها ، وهو أمر يحتاجه النسور لتمرير تلك القرارات ، أي ان مشاركة النواب لن تكون أكثر من شاهد زور داعم لتوجهات وقرارات الحكومة في مواجهة غضب ورفض شعبي .
يعلم النسور والاردنيون والعالم بأسره أن المجلس الحالي الذي يطالب الناس برحيله بسبب طبيعة تشكيلة والقانون الذي حكم انتخاباته وما رافق العملية من تزوير واستخدام مال سياسي لم يحظى باحترام الناس كافة ،كما انه يخلو من النخب السياسية والاجتماعية التي غابت عن الأنتخابات بسبب القانون ،ولم تتشكل فيه تلك الكتل البرلمانية على أسس فكرية او عقائدية ، بل تشكلت تبعا لاشخاص وعلاقات محددة، فكيف يقال أن الحكومة ستشرك مجموعة من النواب ممن يمثلون تلك الكتل ، وبالتالي فهم يمثلون أنفسهم لا غير ، ولا يمثلون أية فكرة او منهج أو عقيدة ، ويمكن لأي منهم التنقل من كتلة الى كتلة تبعا لموقف شخصي او نفسي عابر ،ولن تجدي تلك المحاولة تجميل الفساد والتزوير الذي رافق عملية الأنتخابات ، فطلاء بيت آيل للسقوط لن يفيد البته.
في الغالب سينال النواب المرشحين للمشاركة في الحكومة وزارات خدماتية من المستوى الثاني ، بعيدا عن وزارات الخارجية والتخطيط والمالية والصناعة والداخلية ، باعتبارها مقترنة بأسماء وشخصيات لها ارتكازات قوية لايقرب منها أحد ، او انها مرتبطة بمنظمات ومؤسسات عالمية ليس من السهل الاستغناء عنها لصالح شخصيةعابره في الحكومة ، وبما ان وزارات النواب هي وزارات خدماتية في الغالب ، فان الفرصة قد منحت للنواب كي يستبيحوا تلك الوزارات ويجيّرون مقدراتها ووظائفها المطلوبة وغير المطلوبة لصالح الجهة التي ينتمي اليها النائب ، بغية حفظ طريق العودة وضمان اعادة انتخابه مستقبلا ، ولن نفاجأ إن بدأت المشكلات والتذمر والاحتجاجات تتفجر في وجه الوزير النائب من قبل الموظفين والمواطنين بسبب سياساته الموالية لاقاربه وابناء مدينته ،ولن نفاجا اكثر لو قيل أن الوزارة تحوي اكثر من 100 – 200 موظف إضافي قرر الوزير تعيينهم ارضاءا لمكونه واهالي مدينته .
ان اهم ما يمكن للدولة الأردنية تحقيقه من أهداف وهي تعلم مسبقا بفشل هذه التجربة هو الحد من الحديث عن حكومات برلمانية وكف يد النواب والاحزاب عن المطالبة بالمشاركة السياسية ، فالناس عامة سيلعنون تلك المشاركة لانها لم تأتي وفقا لأصول اللعبة الديموقراطية ،وسيلعنون ممارسات النواب الوزراء التي ستخدم فئة دون غيرها أو مكون دون غيره ، ولأن تجربة التشاور الذي اجراه رئيس الديوان مع مجلس النواب حول تسمية رئيس الوزراء المقبل كانت فاشلة بكل المقاييس مدخلا ومخرجا وادوات ، فان تجربة اشراك نواب كتل واهية ضعيفة غير منسجمة ولا تعبر عن أي فئة او مكون او جماعة سياسية ستكون هي الاخرى فاشلة بكل المقاييس حتى قبل ان تبدأ المشاورات ، ولا زلنا نصر على الانتقال من تجربة فاشلة الى أخرى أكثر فشلا ,اعمق تاثيرا وخسارة .