jo24_banner
jo24_banner

الدولة المدنية هدف وأسباب

د.كمال الزغول
جو 24 :
في العالم العربي تتطلع الشعوب لبناء دولة مدنية محترمة، تصون جميع حقوق المواطنين، وتقوم بواجباتها ،لكن قبل التطلع لبناء دولة مدنية وجب ان نقف على اسباب قيام الدولة المدنية،ففي التاريخ القديم والحديث ،اضافة الى التقدم العلمي الذي حققته الدول المدنية ،فكرة الدولة المدنية تبدأ بقوة صاعدة وتمتلك القوة الظاهرة لا يقترب منها أحد كأمريكا، او بقوة مسالمة مع الجميع كاليابان مع ابتعادها عن دائرة تنافس الأقطاب الكونية ، او بقوة هابطة معتمدة "الاستتباع" في مدنيتها. ولذلك انشاء دولة مدنية على سطح المريخ دون منافسين وتوسعيين يمكن ان يجعل هذه الدولة ترى النور،فالأسكندر الكبير بعد الاكتساح القوي للشرق الأوسط بنى مدنه الثقافية الثلاث فيها،جدارا ،أنطاكيا والإسكندرية ،و الدولة الرومانية لم تتمدن الا بعد التوسع في الشرق والغرب ،والدولة الأموية لم تتمدن الا بعد ضم المشارق والمغارب، وأمريكا لم تتمدن الا بعد قيادة العالم في الحرب العالمية الثانية والقاء قنبلة على هيروشيما ونجازاكي كتعبير عن حماية امنها القومي كما تدعي باستمرار، وفي المقابل، اليابان لم تتمدن الا بمسالمة الجميع ، وأُوروبا تمدنت لأنها وقعت في المنطقة المحايدة لدائرة التنافس الكوني ،بالاضافة الى ذلك ،العصر التنويري أتى بعد حروب تدميرية خلال العصور الوسطى، وبسبب موازين القوة أُختطفت الدولة المدنية من قبل مستبدي الحكومات العسكرية الذين ركبوا موجة التمدن لصناعة الدكتاتوريات، فمعظم معاهدات دول العالم وترسيم الحدود ناشئة عن وقف اطلاق نار بين الدول.
 
منطقة الشرق الأوسط وقعت بين ذلّ السلام وسيطرة المدنية الأمريكية والأوروبية- ذات الإطار العسكري- على السلم  والحرب، كيف ستتمدن الدول في الشرق الأوسط  وهي تنفرد بحسابات صغيرة ويهلكها «الاستتباع »على حساب حقوق شعوبها وعلاقاتها ببعض! وكيف تتمدن منطقتنا  وموجات الحرب والصراعات توجه اليهم من قبل دول مدنية هي مثال يحتذى لأصحاب مدنية الكلمة لا تطبيقها! كيف ستنجو الدولة المدنية اذا كانت عبارة عن محمية طبيعية للدول العظام ، فالأبراج التي بنيت في منطقتنا هي ابراج مدنية المظهر لكنها محطات نقل تجاري بين القارات  والتي لا تمتلك حماية نفسها ،وانما من يحمها هم الذين يسترقون السمع عن اي خطة مدنية قوية في هذه المناطق.
 
ومن هذا المنطلق ان لم يكن هناك صعود لتحالف مناطقي اقليمي لحماية المدنية العربية الناشئة كما فعلت أوروبا وغيرها ،وانشاء درع أمني صاعد ،والإعتماد على القيمة المضافة للبحث العلمي العسكري كتمهيد لحماية الدولة القادمة ،واستخدام مصادر القوة كالنفط والغاز لصناعة القوة، وتبنى الدبلوماسية للوصول للهدف، ستبقى المنطقة العربية تحت سيطرة ايدولوجيات انفرادية تقطع الطريق على الدولة الوطنية المدنية . وفي النهاية اما آن تكون دولنا العربية دولا مدنية ضعيفة  بإدارة خارجية، او تكون دولا مدنية قوية بإدارة داخلية ،فلا يمكن ان تحقق الدول مدنيتها بدون حماية أمنها ألقومي، وعلى النقيض من ذلك، لو ألقت دول المنطقة السلاح واكتفت بقوات شرطة تنظّم القانون ،لن نجد دولا تنعم بمدنية الفكرة ،ولن تمتلك هذه الدول قواعد لتطبيقها كما هي في الدُول المدنية المتقدمة، وحماية امنها القومي سيصبح صعباً أمام هذا الاستسلام .إن القبول بدولة مدنية غير قوية يجعل  الاعداء يتكاثرون.فقبل صياغة مسار الدولة المدنية يتوجب خلق مدنية خاصة ذات صناعة محلية تنتشر في العالم وتبهر الجميع من أجل حرية الدول في المنطقة لا من أجل حرية فردية اجتماعية غير محمية أمام هيجان قوة الأقطاب العالمية.

 
تابعو الأردن 24 على google news