jo24_banner
jo24_banner

لماذا لا تنجح التحالفات العربية!

د.كمال الزغول
جو 24 :
 إنّ وجود الحركات غير الوطنية الناتجة بلا منازع عن الإشتباكات الدولية ابان الحرب الباردة وبعدها (مليشيات،حركات ارهابية، التضاد بالثورات خلال الربيع العربي) أدَّى الى التوسع في استراتيجيات الدول الإقليمية لحماية نفسها ،حيث أصبح هناك فوضى من الإستراتيجيات غير النافعة خوفاً من المجهول ، وبدأت حرية المواطن في كل دولة تتقلص بحجة بناء مشروع تحالفي من أجل حماية الداخل، وتم اصدار "قانون الإرهاب" المعوَّم الذي تمكن من اختراق حدود الدول وأنساها تضامنها ومشاريعها.
وبسبب التخبط الاستراتيجي على ساحة الشرق الأوسط ،بدت الشعوب في كل قُطر تختلف في نسبة رضاها عما يدور في المنطقة بسبب التداخل الإجتماعي للحركات ومكوناتها وطوائفها، والذي بدوره خلق خللاً في توافق الدول العربية حول قضاياها المصيرية ،سواء كانت تهديداً خارجياً للدولة، او تهديداً للثقافة والتقاليد العربية،او هدراً لثرواتها او احتلالا لجغرافيتها، هذا الإختلاف نتج عنه صراعات جيوسياسية على مستوى محاور الدول الوازنة، وتجاذبات على مستوى الدول المتزنة في الإقليم.هذه الصراعات اوجدت تحالفات غير مستدامة لأن المنطق الإستراتيجي يقول ،إنَّ أي تحالف يتخطى الإقليم، ولا يقيم لدول الإقليم وزناً، حتما سيفشل ،لأنه سيأكل الصغير، ويُصغِّر نفسه أمام التحالفات المتينة ،وذلك بإنشقاقه عن اقليمه وذهابه للهرمية بدون قواعد لبنيته التحتية والفوقية كأولوية أولى للانطلاق.
وبخصوص التحالفات المتقطعة وغير المستدامة، اقول أنه لا يمكن لمشروع عربي كبير أن يبدأ بدون رأس مال شعبي ونخبوي من جميع الدول في الإقليم ،وذلك ليقابل المشاريع القوية كمشروع الإتحاد الأوروبي، والمشروع الصهيو-امريكي ، والمشروع الشيوعي ،والمشروع الفارسي ، فكيف اذاً نسير بدون رأس مال استراتيجي أمام كل هذه المشاريع . إنَّ التحالفات الهشّة التي من الممكن أن تكون كالعصف المأكول بسبب ضعف تسليحها ستنهار بأي هزة خفيفة لأنها تمثل مركزا لصفيحة زلزالية غير مستقرة في قاعدتها ، وستبقى تحالفاتها الشكلية مدعاة للشك لطالما تخدم مشاريع عالمية أخرى خارج الإقليم، وتنسى التأسيس لقاعدتها وجغرافيتها ،فأي مشروع يُبنى من الهرم سيسقط سقوطا حراً على الأرض.
وعلى عكس ما اوردتُ سابقا ،تجري التحالفات الكبرى والمتينة مبنية على قواعد اساسية هي الشعوب وايمانها بالقادم المفيد، وطرق الوصول اليه ،لذلك تنجح تلك التحالفات بسرعة البرق ،ومثال على قوة التحالف هو تحالف أوروبا مع الولايات المتحدة الأمريكية، فمهما جرى من تنافس بينهما، يبقى هناك محور توازن بين المصالح يحكم الطرفين ،فالذي يجري بين تركيا واليونان مثلاً ، هو انعكاس لما يجري بين فرنسا وامريكا من تنافس اقتصادي ودي في شرق المتوسط والساحل الافريقي، ولذلك لا يمكن حدوث حرب مفتوحة بين تركيا واليونان طالما التنافس هو بين أعضاء من حلف الناتو (حلف متين)، لكن من الممكن أن تحدث حوادث فردية تُحل بسرعة .
ولكي نقرِّب منطقية الفكرة،فرنسا جاءت الى لبنان تسعى، ليس حباً بلبنان وانما هو تنافسٌ وديٌ مع امريكا حليفتها في الأصل، واستطيع تسمية ذلك التنافس بأنه ترسيم لحدود الإنتدابات التحالفية كون بريطانيا خرجت من الإتحاد الأوروبي واتحدت مع امريكا معنويا وتجاريا.فكما تقاربت امريكا في ظل الإدارة الحالية مع تركيا ،تقاربت فرنسا مع لبنان والشرق الأوسط ، ففي الوقت الذي تنشأ فيه مرحلة تعويضية للاقتصاد الأمريكي، سينشأ ضمور في قدرة فرنسا على متابعة التنافس اذا غيرت امريكا قواعد الإشتباك في العراق ،وفي النهاية ستعود فرنسا الى تحالف الإنتدابات ،والظاهر أنها ستقف الى جانب أمريكا اقتصاديا اذا دخلتا بقوة في العراق بحجة استعادة الأمن من المليشيات الموالية لإيران، وذلك لإخراج الصين وتدمير عقودها النفطية في العراق ، وستحافظ على حدود سايكس-بيكو بطريقة فوضوية على الارض، ولا يهمها تنظيم حدودها الجغرافية ،بل ستُنظم حدود الموارد والثروات ، ولنا في فوضى سوريا واليمن أكبر مثال حيث بقيت الموارد بيد التحالف الدولي.
الخلاصة ،ما أردت الوصول اليه أن التحالفات غير المدروسة في الإقليم والمنطقة ينقصها البنية التحتية والفوقية ،وتنقصها قاعدة متينة لكي تصل الى الهرمية في التحالفات ، وهي تبدأ ببناء الأنظمة قبل الدول، فبدلا من أن توصل التحالفات الشعوب الى مستقر الحياة المتحضرة ، بعثرت حياتها من غير دراية بعلم الإستراتيجيات الدولية ،وأصبحت شاشة عرض تستمتع بمشاهدتها التحالفات المتينة. ومن هنا المنطقة العربية بحاجة لإعادة ترتيب أوراق الدولة الوطنية من بنية تحتية وفوقية، وتأسيس صلب للديمقراطية كدرجة أولى، فلا يمكن صعود جميع درجات السلَّم الاستراتيجي بخطوة واحدة فقط،وهذا يثبت أن أي مقاربة محورية مع المركز تُنتج مقاربة خارجية صلبة ومستدامة. بالإضافة إلى ذلك،تقليد التحالفات الكبيرة بناءً على طموح غير مخطط له ، يُنتج فوضى غير مباشرة تقضُّ مضاجع الأنظمة في الدول الصغيرة ،ويربك الدول الإقليمية ، ويُحدث فوضى في تنظيم علاقة دول الإقليم ببعضها ،حيث تمنع بعضها من تحقيق التقدم ، وتتمنَّع الهوينة أمام ترسانة ومشاريع القوى الدولية.
 
تابعو الأردن 24 على google news