ماكرون: بين حب الوصاية وشغف الإستعمار
د.كمال الزغول
جو 24 :
عندما تتوقف مشاريع الدول المستعمرة بسبب العامل الديني يصبح الدين هو أهم عدو ممانع ضد تلك المشاريع ، خاصة مع الدول التي استباحت ثروات العالم واستغلتها ،وللدفاع عن استمرارية نهب الشعوب يحتاج صاحب الشغف الاستعماري الى تحييد حضارة وثقافة ودين الشعوب التي تقاوم تلك المشاريع الناهبة للإقتصادي العالمي،وهنا يتبنى الساسة من الشغوفين مبدأ فصل الدين عن الدولة كنقطة بداية لهدف ابعد ،وترسيم لتخوم الحضارات فأصبحت أزمة ملاحقة الدين بحجة الفصل هي أزمة هدم للدول الوطنية بحجة الإرهاب، فإذا كان الدين في الدول العِلمانية مفصولا عن الدولة فلماذا يهاجم الساسة من العِلمانيين الأديان ،ولطالما حققت العِلمانية التي ينتمون اليها هدفها، فلماذا بعد ذلك يتم ملاحقة واجتثاث الدين من الفرد.!....فمن الواضح أن هناك أزمة كراهية حضارية دائمة بين الساسة والدين بشكل عام، وذلك برفض مسالمة الدين وعدم الاعتراف حتى بمعتنقيه، وإن وجدوا محايدين داخل الصوامع والكهوف والمعابد والأديرة، وانتقاء دين دون آخر لإستعدائه يأتي من مفهوم الكره الحضاري الذي يبدأ بملاحقة الدين ،والذي بدوره يُخرج العِلمانية والدين من دائرة الصراع ليصبح صراعاً استعلائياً حضاريا هدفه استعماري نهبوي بحت.
إن أي مجتمع مدني من المفترض فيه عدم ملاحقة الإنسان المتعبد الذي لا يؤذي احدا ،وإنما يُعنى بالبناء والإزدهار وتطبيق القوانين الموضوعة له،لكن عندما يظهر بعض القادة السياسيين ويسيئون الى معتقد لا يؤثر علي اجنداتهم السياسية ،ولا على قوانينهم وتشريعاتهم ،تشعر أن هناك من يختلق الجدل حول قضية هي في الأصل خارج الإطار المؤسسي لدول الساسة انفسهم،وتعتبر موضوع جانبي بالنسبة للدول التنويرية ، وهذا يطرح سؤالا : لماذا تُبنى مسارح الصراعات الأيدولوجية طالما أن القانون يساوي بين الجميع على أساس عِلماني؟ والعِلمانية نفسها تعترف أن الدين هي مسألة خاصة بعيدة عن مسائل الدولة السياسية، فكيف اذا أتى الجدل من رئيس دولة كبرى في ظل جائحة تكتسح انسانية الكون قبل ديانته! صدقا تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون تقودنا الى عهد لوردات الحملات الصليبية عندما تحولت الإقطاعية الى املاك دينية تدافع بها عن المسيح عليه السلام ،وتم بعدها استحضار النكران الحضاري المدمر.
هناك تحول كبير في الخطاب السياسي يدعو الى الكراهية، ويُشجع ايدولوجية على أخرى، وهذا بحد ذاته يؤجج التمرد على القانون الخاص بالدول ، مما يوحي أن هناك قادة يفتقدون الحنكة وسيعودون ببلادهم الى عهود ما قبل التنوير الذي يزعمون،وسر هذا الخطاب هو عدم الاعتراف بحرية الأديان ودعم فكرة الفروضات الفكرية القديمة التي يتخذ منها ماكرون منطلقاً استعماريا، بعيدا عن قوانين ودساتير دولته الحديثة، وهذا حتما سيؤدي الى تصادمات وتصدع داخل قاعدة الدولة (الشعب) بسبب تصريحات وفكر هرميتها (القيادة)الخاوية من الخبرة القيادية السياسية، لأن التخوم الحضارية اصبحت بين الأنظمة والإتحادات وليست بين الشعوب من خلفيات حضارية مختلفة تعيش مع بعضها تحت حكم تلك الأنظمة غير المتزنة ايدولوجيا.
الخلاصة،لقد نجحت العِلمانية في فصل الدين عن الدولة، لكنها لم تنجح في ايقاف ملاحقة الدين بسبب الخوف منه سلما وحربا الناتج عن البحث واللهث وراء الاستعلاء الحضاري الملازم لفكرة الإستعمار وعدم تقبل الآخر ،ولذلك الفكر الذي اتكأ عليه ماكرون يعتبر استقرار الاسلام كدين هو نقطة بداية لتقدمه وإجتيازه لتخوم الحضارات الأخرى بطريقة سلمية ،وعائق أمام شغفه التدخلي الناهب لثروات الآخر، فتجد اختلاق المشاكل ضد الإسلام كلما ازدهر وتقدم لأنه ينتشر في كل دول العالم،فيعبث بمظاهره كي يدمر جوهرة كثقافة ومبدأ، ويعترض على اللباس تمهيدا لتدمير سلمية استقرار الإسلام لإزالته كعائق ضد تدخلاته في شؤون الشعوب ، والسؤال هنا لماذا يثار غضب المسلمين في حالة السلم ويتهمون بالارهاب في حالة الحرب!! اليس هذا كافيا بأن لا حرية للأديان ولا فصل للدين عن الدولة لدى ماكرون الا بأدوات المقصلة الاجتثاثية من أجل السيطرة السياسية والإقتصادية، وأن ما يروج له من فصل الدين عن الدولة هو محض افتراء ،والهدف هو ابعد من ذلك الفصل ، وعليه فإن ملاحقة الدين من قبل ماكرون تنفي ديمقراطية حضارته وتثبت خدعته لعِلمانيته ايضا، مهما اخترع من ازدهارات مدنية في ظل شغفه في الوصاية على الشعوب الحرة.