ترمب بين جذور الحالة وصناعة الهالة
د.كمال الزغول
جو 24 :
اذا اردنا التحدث عن حالة ترمب ، فإننا لا نتحدث عن نظام سياسي امريكي استغله هذا الرجل في الوصول الى هذا المنصب، بل نتحدث عن انعكاس لمطالب شعبية في انتخابات عام ٢٠١٦ ،فلم يصعد دونالد ترمب لكاريزميته ولا لشخصه ،بل صعد ببرنامج حزبي، وُجد له هوى وصدى لدى شريحة كبيرة من الامريكيين ،ولكي نتعرف على سبب صعود الشعبويين في امريكا والعالم ،علينا أن ندرس البيئة التي خرجوا منها وما هي غاياتهم ، وما هو اساس انطلاقاتهم الشعبية نحو الحزب الجمهوري واختيار ترامب لتمثيلهم .
اولاً، الرئيس ترمب لم يكن شخصا عاديا، بل كان تاجرا ،استخدم تجارته لإستقطاب ايدولوجية معينة للإستناد عليها للوصول الى الرئاسة الامريكية ،وبالرغم من أنه يمتلك المال ،الا انه تلقى دعما ماديا من التجمعات الانجليكانية والمجموعات المتطرفة من اليمين الصاعد، وايضا من المجموعات التي تسمى الت رايت Alt-Right ومن مجموعة تؤمن بتفوق العرق الابيض white supremacists ، تلك المجموعات ذات القواعد الشعبية هي من القت البرنامج الانتخابي في أحضان دونالد ترمب، والذي بدوره حاول تنفيذ هذا البرنامج والذي تضمن منع مُواطني دول معينة من الهجرة للولايات المتحدة الامريكية ،وبناء الجدار العازل مع المكسيك كحاجز في وجه قارة امريكا اللاتينية الجارة، بالاضافة الى الدعم الكامل للمنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة الامريكية.
ولكي يتبنى ما طُلب منه من تلك القاعدة الشعبوية، كان ترمب باستمرار يتهم حركة انتيفا (ANTIFA: anti-fascist) بالعنف التي نشأت ضد ايدولوجية قاعدته من قبل مجموعات ديمقراطية لإبعاد شبح ايدولوجيته المتزمتة عن المشهد والتي ادت الى صعوده كقاعدة صلبة يستند عليها.
دونالد ترامب وبكل وضوح اراد أن يثبت بأنه القائد الوحيد والمقدس لتلك المجموعات،ولذلك قام برسم هالة له وذلك بتبني شعار ماغا في حملته الانتخابية (MAGA: Make America Great Again ) وتحت هذا الشعار اجتمع مؤيدو ترمب واقتحموا الكونغرس الامريكي يوم ٦ كانون ثاني ٢٠٢١.
ومن هذا المنطلق ،اصبح الصعود الجذري للشعبوية الامريكية من خلال النظام السياسي الأمريكي الديمقراطي يشكل خطرا على أمريكا نفسها وعلى ديمقراطيتها ، هذا الصعود ادى الى حوادث قتل في الولايات المتحدة الامريكية في عدة مدارس طلابية وكليات ومسارح في فترة رئاسة اوباما ،وزادت هذه الحوادث في فترة دونالد ترامب الرئاسية.
أما على صعيد السياسة الخارجية ، فقد ظهرت القضايا التي تخص مبادئ تلك القواعد الشعبوية المبنية على الايدولوجية المتشددة،من بينها صفقة القرن التي باعتقادي هي امتداد انجليكاني داعم للصهيونية العالمية من قاعدة شعبوية عانقت ادارة ترمب، وتم الاتفاق على الصفقة بين القاعدة والهرم، وانعكست بسوئها على القضية الفلسطينية ،وايضا محاربة الصين اقتصاديا كنوع من الاستعلاء على تقدم الشعوب، والذي كُسر بواسطة مفاجأة كورونا التي اطاحت بالشعب الامريكي قبل غيره ، وتم ايضا كسر المنظمات الدولية الانسانية ،وتحجيم عملها مما انتج حركات غير وطنية في كثير من الدول، وجعل الفوضى ثمنا للتجارة العالمية.
الخلاصة أن حالة ترامب هي حالة شعبوية مقابل حالة أخرى شعبية ،تولدت ونشأت بقواعد شعبوية خطرة ومتجذرة في الولايات المتحدة الامريكية ، وهذا ينذر بالعبء المترتب على السياسة الامريكية الداخلية للإدارة الجديدة، التي ستأخذ وقتا على حساب السياسة الخارجية ،لأن توحيد الجبهة الداخلية الأمريكية اصبح اكثر اهمية من الخروج في رحلة سياسية خارجية على ارضية منقسمة ،ويبقى السؤال المطروح ،هل سينجح الرئيس المنتخب جو بايدن بتوحيد ايدولوجية شعبوية متزمته مع ليبرالية صاعدة؟ هذا حتما سيعتمد على تعافي الإقتصاد الامريكي، واستعادة المنصات التعليمية لبث الوعي بين المواطنين المنتمين لكلا الحزبين ،الجمهوري والديمقراطي، ويعتمد على عدم حدوث اختراق خارجي على حساب الانشغال في الداخل الأمريكي، في المحصلة ،امريكا ما زالت امريكا، لكن هناك بنية فوقية شعبوية تحتاج وقتا طويلا لإصلاحها.
الدكتور كمال الزغول.
كاتب وباحث
Alzghoul_kamal@yahoo.com