jo24_banner
jo24_banner

الملك يخطئ جميع من حوله وهو المسؤول عن جميع من حوله

د. انيس خصاونة
جو 24 :

تابع الأردنيون باهتمام كبير وذهول شديد تصريحات الملك لصحيفة "الاتلانتك" والتي هاجم فيها كل شيء متحرك، وهو هجوم نابع من إستراتيجية عسكرية تستخدم عند عدم الثقة بكل ما يدور حول القوة العسكرية.

لا غرابة فالملك خلفيته عسكرية صرفه ولم يمارس الحياة السياسية إلا بعد تقلده مقاليد الحكم في الأردن قبل ثلاثة عشر عاما. ولعل سندنا في ذلك حديث السيد عبد الكريم الكباريتي للسفير ادوارد غنيم قبل عشرة سنوات وهو حديث تم تسريبه عبر وثائق ويكيليس، وتضمن وصف الملك بأنه "لا يثق بأحد من حوله ولا حتى مستشاريه". كما أن هذه التصريحات النارية للملك تبين موقفه من العملية الإصلاحية التي مضى على المطالبة بها أكثر من عامين شهدا مدا وجزرا من قبل النظام، لدرجة أيقن بعض الحراكيين أن مقاليد الأمور والنظام كلها بيد الملك ولا أحد غيره، وأن الحديث عن المؤسسات والسلطات ما هو إلا حديث نظري ولا يعكس مجريات الأمور على الأرض.


يتساءل بعض الأردنيين المذهولين من تصريحات الملك التي يمكن تشبيهها بسياسة الأرض المحروقة، ما مصلحتنا في معاداة رئيس منتخب شعبيا من قبل أكبر الدول العربية وهي مصر ؟ ما مصلحتنا في القول بأنه يفتقر إلى العمق ؟! وهل لدينا في الأردن قيادات سياسية أكثر عمقا منه ؟ فالرجل ذو تجربة سياسية عمرها ربع قرن وهو أستاذ جامعي وخريج لأفضل الجامعات الأمريكية وناشط سياسي.

مدهش أيضا ما ورد في المقابلة حول أردوغان، ذلك القائد التركي الفذ الذي غير وجه تركيا الحديث وأنعش اقتصادها وأعاد لها ولشعبها كرامتها التي تستحقها!

وما المصلحة من وصف قادة عشائريون بأنهم ديناصورات ؟ وكيف يمكن للملك أن يحافظ على دعمه في معاقل القبائل الأردنية وهو يصفهم ويصف بعض رموزهم بهذه الصفة ؟! وما مصلحة الأردن بأن يقول الملك بأن المخابرات تآمرت مع المحافظين لإعاقة توجهه في زيادة تمثيل الأردنيين من أصل فلسطيني في المؤسسات الأردنية ؟! وهل لهكذا توجه أية علاقة بضغوط خارجية ذات صلة بالتوطين ؟! أليس الملك مسؤولا عن كافة المؤسسات ؟! أليس الملك هو الذي ينبغي أن يقود هذه المؤسسات أم أنها تخرج عن إرادته ؟!

وما المصلحة من اتهام الإخوان المسلمين بما ورد من أوصاف ؟ وهم شريحة من الأردنيين الذي يحبون بلدهم ويحرصون عليه، ولهم أنصار وأتباع ومؤازرين أكثر من أي تنظيم سياسي آخر في الدولة!

ويتناول الملك موضوع إخوانه وأبناء عمومته من الأمراء الذين يتنعمون ويعيشون حياة لم تعد تنسجم مع أوضاع الدولة ومقدراتها، ناهيك عن بعض ممارساتهم في السير على الطرق وسلوكياتهم الاستفزازية في تحدي القانون، ولا أعلم كيف أن الملك يتحدث عن مخصصات مجانية من البنزين والمحروقات للأمراء، وهو يعلم بأنه ومن الناحية الدستورية ليس هناك أي امتيازات للأمراء والأميرات، فمن أين يتم تغطية هذه المخصصات والامتيازات ؟!ألم يعلم بها الملك إلا اليوم ؟!


كل ما تحدث به الملك يقع تحت مسؤوليته. وهو الشخص الأول في الدولة، وله صلاحيات شبه مطلقة، وهو يلوم الجميع، وهو مسئول عن الجميع.

كلام الملك خطير وأعتقد بأنه يمهد لتضاؤل في شعبيته عند الأطراف والعشائر والقبائل والقيادات القبلية التي وصفها بالديناصورات، وأخشى أن يكون لذلك تبعات وانعكاسات سلبية على رصيد الملك ودعمه لدي كل الجهات التي ورد ذكرها في المقابلة.

أما الملكية التي يتحدث عن تغير في شكلها وماهيتها سواء في الأردن أو غيره، فهذا أمر تحدثنا عنه سابقا، وتحدث عنه علماء كثيرون أمثال "ماكس فيبر"، حيث أن هناك قوى حتمية تاريخية تعمل على تغيير الأنظمة السياسية المطلقة والتقليدية والوراثية إلى أنظمة تستند في النهاية على صناديق الاقتراع، ولكن الشيء الذي لم يتحدث عنه العلم هو تحديد فترة خمسون عاما لانجاز ذلك التغيير.

مملكة نيبال التي كان لديها نظام ملكي عمره مائتين وخمسون عاما توافق أهلها خلال عام واحد على إجراء تعديلات جوهرية لم تغير شكل النظام الملكي فحسب ،ولكن غيرت مجمل النظام السياسي إلى نظام جمهوري.

الأردنيون يريدون تغييرات على الدستور ونظام الحكم في خلال فترة قصيرة وفي حياة الملك عبدالله، ولا يرغبون الانتظار نصف قرن آخر ليشهدوا مثل هذا التغيير.

تصريحات الملك اليوم لا تعزز من وضعه القيادي في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها بلدنا، كما أنها تؤشر إلى توجهات بالديموغرافيا السكانية للدولة الأردنية واحتمالات الرضوخ لتأثيرات وضغوط خارجية بهذا الشأن.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير