الطراونه .. تصريحات تمهد لأزمات جديدة !
... مع بدء إطلاق تصريحات رئيس الوزراء المكلف فايز الطراونه كل ساعة كما يبدو ، بهدف تهيئة الرأي العام لما ستنفذه الحكومة " العابرة " من سياسات وتحركات على مستوى سياسي و شعبي ، لم تلق تلك التصريحات ذلك الترحيب أو الأمل بقرب انتهاء منهج الاستهانة وإدارة الظهر لمطالب القوى والفعاليات السياسة والشعبية بغية الخروج من أزمة البلاد ، إذ أعلن رفضه للقاء أية قوى حزبية أو مستقلة للتشاور معها منذ البداية وحصرها في كتل مجلسي الأعيان و النواب الذي لازال الأخير يلقى سخط الناس ورفضها بسبب أداءه غير المقنع حيال قضايا الفساد وصدور صكوك غفران بحق من ُيجمع الناس على إدانتهم ، وكأن البلاد لا تواجه أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية فشلت عدة حكومات بمعالجتها بسبب المنهج والسلوك " الاستهانة " الذي يطغى على طاقمها وحال دون الخروج من أزمة البلاد ، فحديث الرئيس المكلف عن رفض سحب قانون الانتخابات أو إجراء أية تعديلات عليه تستجيب للمطالب السياسية في البلاد مؤشر أخر على سياسة التعنت والعمل بمبدأ هذا الموجود !
وكذلك فأن ما يدور في البلاد من إجراءات قمع الحريات وملاحقة رجال الإعلام والرأي لم يلقى لدى الرئيس المكلف أية اهتمامات رغم الأزمات التي شهدتها الحكومات السابقة بسبب ممارساتها غير الحضارية مع الإعلام ، كل ذلك ولد موقفا رافضا لسياسات الرجل وحجب الثقة المبكرة عنه " شعبيا "قبل أن يتقدم ببرنامجه للمجلس ، وبما لا يتيح أي حوار أو لقاء مستقبلي مع تلك القوى ، بما يعني استمرار الأزمة والتصعيد بوتيرة أعلى ، فالحصول على ثقة مجلس النواب لم يعد ركنا أساسيا من وجهة نظر الشعب على الأقل لتكون الحكومات مقبولة ، بل العكس ، فأن ارتفاع أرقام المانحين للثقة يولد لدى الناس حالة من السخرية والقناعة أن تفاهمات السلطات " التشريعية والتنفيذية " يولد أزمات جديدة وترهلات على حساب المال العام وترسيخ مبدأ المنفعة المتبادلة بين السلطتين !
كذلك ، فأن تصريحاته حيال منهج شد الحزام "التقشف " ورفع الأسعار التي بدأت في مجالات الكهرباء والطاقة وما يشاع عن سلع أساسية أخرى بالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن لا توحي بصيف مريح في ظل هذه الحكومة ، ناهيك عن غياب كلي لتصريحات أو نوايا بملاحقة واستكمال متابعة قضايا الفساد ورموزها التي يعتقد البعض أنها قد طويت مع حكومة الخصاونه .
لا يتعلق الأمر بحكومة رشيقة ذات مهمة واضحة محددة بعدة أشهر، والناس لم تعد تطالب بحكومات رشيقة لا تنتج ولا تمنح الناس الاطمئنان وهي تمارس نفس سياسة الحكومات السابقة ، فالانتخابات وسيلة لا غاية ، والغاية هي الخروج من الأزمة والوصول إلى توافقات سياسية ورضا عام وإعادة الثقة بهذه الحكومات ، لكن يبدو أن هدف الحكومة هو تفعيل الوسيلة على حساب الغاية التي لن تحقق ما يصبو إليه النظام ويسعى لتحقيقه ، والرشاقة المطلوبة هي إعادة الثقة بالحكومات من قبل الناس ، وضرورة التنقل برشاقة إلى إصلاح حقيقي يستجيب لمطالب الشارع الذي " أسقط " عدة حكومات سابقه ولم تستطيع أي منها تقديم ولو قانون انتخاب عصري أو ملاحقة رمز من رموز الفساد المعروفين ليساهم بالخروج من الأزمة ، وكذلك يمكن القول أن ما تردد عن دخول بعض الوزراء المتوقع مشاركتهم قد تعني أنها حكومة بأغلبية محافظه وكأنها حكومة " حرب " سبق للبعض منهم أن تسلم وزارات الداخلية والإعلام والتنمية والتخطيط و العدل ، وكانت سياساتهم منفرة جدا ليس للمواطن فحسب ، بل و إلى دول الجوار كذلك ! وهناك حديث عن عودة أسماء " نسائية " لم تنجح أبدا في عملها وكانت منفره و مرفوضة من قبل الناس ، وكأن البلاد خلت من أسماء وقيادات نسائية خلا تلك الأسماء التي يعرف أنها محسوبة على مقربين ومفروضة على أي حكومة قادمة تدخل مع كل تعديل وتخرج ومن ثم تعود مع كل تشكيل ! وكأننا نتحدث هنا عن إحتمال تشكيل الحكومة بأسماء تعرض على الرئيس المكلف فقط دون ان يبدي رأيا تجاه قبولها أو رفضها حتى لو كانت مرفوضة شعبيا ، وحتى لو استمرت التشاورات الشكلية مع عشرات المرشحين ،فالرئيس نفسه يعرف من هم المرشحين الحقيقيين لهذه الوزارة ، ليس من قبله تم الترشيح ، بل من قبل دوائر ومراكز قوى أخرى تمارس نفس الدور ونفس السلطة ونفس التأثير في ترشيحات الوزراء ، وبالتالي تبدو التشاورات هنا مضيعة للوقت ولكنه منهجا لا بد من لذر الرماد في العيون ! كذلك فأن سياسة التمثيل الديوغرافي والمناطقي التي يرغب الرئيس المكلف بانتهاجها إرضاءا لبعض الفئات واستجابة لضغوطات داخلية وخارجية ،فهي بلا شك ستفتح الباب أمام أزمة جديدة ما كان لها أن تثار إذا لم تكن تلك الأسماء مقبولة من لدن الناس ، أو أنها جاءت على حساب فئات أخرى تشعر أن مكاسبها قد تراجعت لصالح فئات أخرى دخلت العملية السياسية تمهد لتطورات أكبر وأخطر !
صحيح أن الرجل " نظيف " ولم تسجل في عهده سوابق " إختلاس " أو سمسرة " ولم يكن من المدافعين او المؤيدين لبرامج التحولات الاقتصادية بالكامل ، ولكنه يهيئ البلاد نحو أزمة ما بعد التشكيل بسبب تصريحاته الاخيره برفض الحوار واللقاء بالقوى السياسية التي يعتقد الطراونه أنها غادرت الأردن ، ويمكنه التعامل مع فلولها واقصد هنا الحركة الإسلامية تحديدا التي حافظت على نهجها المتشدد بعد عودة الصقور الى قيادة مؤسساتها في الانتخابات الأخيرة للجماعة ، قد نختلف معها كثيرا ، ولكنها قوة سياسية وشعبية لا يتجاهلها إلا غير المدرك لواقع الساحة وتجاذباتها ، فرفض الحوار مع قوى أساسية فاعلة في البلاد يعني أن الرجل يدار من خارج الحنكة والخبرة التي قيل أنه يمتلكها ، ولا تعنيه ما يسمى بالولاية ألعامه التي دافع البعض عن ضرورة تملكها ودفع ثمنا غاليا في محاولة استردادها ، فلا مبرر للرئيس المكلف برفض الحوار مع القوى السياسية والاستهانة بحضورها وقوتها ، وتكرار نفس الخطأ الذي ارتكبه الخصاونه حين استهان بقوة الحراك الشعبي وإدارة الظهر لمطالبه ، معتقدا واهما أن الحراك في تراجع بسبب تخوفات الناس من تكرار أحداث سورية ، متناسين أن الناس قد تبلغ مسافة متقدمة في مطالبها عنوانه لا عودة قبل الإصلاح ، وخاصة إذا ما كانت سياسة التقشف التي بشر بها الرئيس المكلف موجهة إلى غالبية الناس من خلال رفع الأسعار والدعم عن متطلباته اليومية !