jo24_banner
jo24_banner

السياسة الأمريكية بين فجوة التلاحق السياسي وتباين الأهداف

د.كمال الزغول
جو 24 :
 بعد الإعلان عن نية الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من سوريا، توالت الأحداث في الداخل وفي الخارج الأمريكي ،حيث قام الرئيس الأمريكي بزيارة القوات الأمريكية داخل العراق دون علم المسؤولين العراقيين مما أثار غضب العراقيين في الحكومة وداخل البرلمان ،حيث دعا رئيس كتلة الإصلاح في البرلمان العراقي صباح الساعدي الى جلسة طارئةلمناقشة "انتهاك سيادة" العراق.لم يكن في نية الرئيس دونالد ترامب الإساءة بقدر ما كانت الزيارة هي تقليد قام به الرؤوساء الأمريكيون من قبله خاصة عندما كانت تُستخدم مثل هذه الزيارات كحملة انتخابية للفترة الرئاسية الثانية وبالتحديد لجذب أصوات عوائل المتقاعدين والعاملين العسكريين، فقد زار الرئيس أوباما العراق في عام2009،الرئيس بوش ألإبن زار العراق في الأعوام 2003،2006،2007،2008 على التوالي.
في الوقت الذي رفض فيه زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر وزعيمة الديمقراطيين رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي بناء الجدار بين الولايات المتحدة والمكسيك،استمرت أزمة الإغلاق الحكومي ودخلت إسبوعها الثالث بسبب اصرار ترامب على مسألة بناء الجدار على حساب المعاهدة التجارية مع المكسيك بكلفة 5.7مليار دولار، والذي بدوره هدد بإعلان حالة الطواريء كقائد عام للبلاد وللقوات المسلحة لبناء الجدار لأنها مسألة بنظره تخص الأمن القومي الأمريكي.وعليه فقد جاءت زيارة بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي وبومبيو وزير الخارجية الأمريكي بعد هذا الفشل لتحقيق عدة أهداف:
اولاً،أزمة الإغلاق الحكومي التي أخرت دفع رواتب العاملين لحساب الحكومة الفدرالية البالغ عددهم ما يقارب 800 ألف موظف في جميع انحاء الولايات المتحدة الأمريكية والذي قد يسبب أزمة داخليةتؤثر على درجة الجدارة او مايسمى بالإقتصاد"التصنيف الإئتماني" والذي بدوره يؤخر سداد الديون وتأخير البدء بالمشاريع التجارية وفقدان الوقت لتحقيق التوازن بين الصادرات والواردات والوصول الى إنتاجية مقنعة،ولذلكجاءت زيارة وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي كتعويض عن الفشل الداخلي، وكإعادة إعتبار للدول الحليفة بما فيها العراق، الذي فهم المسألة على انها استرضاء دبلوماسي خاصة بعد زيارة ترامب لقاعدة الأسد الجوية في العراق دون علم الحكومة العراقية بذلك، وبنفس الوقت إقناع الداخل الإمريكي والديمقراطيين ان الادارة الحالية تعمل على تطوير السياسة الخارجية في الشرق الأوسط وفي العالم.
ثانيا ،جاءت الزيارة ايضا للتعويض السياسي عن مسألة الإنسحاب من سوريا وافغانستان لإعلان سياسة العصا والجزرة من جديد في شرق أوسط مضطرب،وخلال إستقرائي لهذه الزيارة أرى أن أمريكا غيرت التكتيك من الارض الى الجو ،حيث نقلت القوة من الاراضي السورية الى اراضي الدُول الحليفة ،وهذا ينبيء ببناء مسرح حربي اوسع يشمل ايران مع الحذر من التأثير والتواجد الروسي، وخاصة بعد الحصار الإقتصادي على كلا الطرفين الروس والإيرانيين،والمعروف عن السياسة الامريكية الخاصة على الارض هو تبني عنصر المفاجأة الذي يجعل من التنبؤ صعوبة بالغة ،لكن فتح السفارات في سوريا هو مؤشر لإفتتاحالمسرح ضد ايران ولا تعتبر هذه التحركات سياسات منفردة لدى دول المنطقة، بالإضافة لذلك ، جاءت تلك الزيارات بملف واحد فقط وهو الملف الإيراني بالرغم أن الدول المستضيفة تحدثت عن قضيتين هامتين هما القضية الفلسطينية وقضية مكافحة الإرهاب كتزيين بروتوكولي للزيارة ، بيد أن ما يدور في عقل السياسة الأمريكية هو الملف الإيراني وكيفية التعامل مع القضية التركية الكردية والجود الروسي على الأرض السورية.
ثالثاً ، الرئيس دونالد ترامب ترك فراغاً سياسياً بتركيزه على مسائل التجارة أكثر من المسائل المتعلقة بالأمن القومي والتمثيل الدبلوماسي ،وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر مُربعا أمنيا هاماً لأمريكا ، حيث فرط فيه الرئيس السابق اوباما بتسليم المنطقة للروس، وكتنافر بين الرئيس ترامب وسلفه ،تمت إقالات بالجملة داخل السفارات والهيئات الدبلوماسية في العالم وبقيت 57 دولة بلا تمثيل سياسي برتبة سفير( بقي قائم بأعمال سفارة فقط) من بينها الصين والمملكة العربية السعودية والهند وبريطانيا وهي دول مهمة وما زالت لجنة العلاقات الدولية في الكونغرس تحاول تسمية السفراء الا أن العراقيل بدت واضحة بسبب التخبط في السياسية الخارجية وتنافر الجمهوريين والديمقراطيين.
مما سبق وأمام العيان، نلاحظ أن مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية السياسية تلعب وتناور في الفجوة التاتجةعن عدم التلاحق السياسي بين إدارة الرئيس السابق أوباما والرئيس الحالي ترامب، والذي بدوره أوجد فجوة بين عمل المؤسسات وقرارات الرئيس ترامب،هذه الفجوة اوجدت مفاجآت مثل الإنسحاب من سوريا والتنافر مع الإتراك ،وفقدان ثقة الحلفاء في المنطقة، بالإضافة الى التأرجح الرئاسي في تناول الأولويات السياسية ، فمرة تظهر القضية الفلسطينية كأنها سيدة الموقف ومرة تغيب ويظهر الملف الأيراني النووي ،ومرة تغور أمريكا في التنافر مع الأتراك بينما الوجود الروسي يتغلل في كل أطراف المشهد السياسي في المنطقة، وكأن أمريكا تعيش تحت سيطرة إدارة إنتقالية ناتجة عن انقلاب سياسي فنّي.
الدكتور كمال الزغول
Alzghoul_kamal@yahoo.com


 
تابعو الأردن 24 على google news