نصيحة مخلصة للنظام ... الثورة ممكنة ..!!
عدنان الروسان
جو 24 : حينما يتم القضاء على الطبقة الوسطى بصورة ممنهجة حتى تكاد أن تتلاشى تماما كما هو حاصل عندنا ، و حينما يتم إقصاء الشباب عن كل الفرص و تحطيم طموحاتهم تماما و إغلاق كل السبل أمامهم فإن الطريق الوحيد الذي يتبقى هو المعارضة للإجحاف و الظلم ، ثم لا يلبث ذلك أن يتحول إلى معارضة للنظام السياسي ، و قد ينقلب الأمر الى ثورة ، و هنا لا يجب على الدولة الاطمئنان إلى شعار " الأمن و الأمان " لأنه قد يتهاوى في دقائق قليلة عندما يصل الناس إلى لحظة الانكسار التي لا يطيقونها و إلى اللحظة التي يتساوى فيها عندهم الحياة والموت ، حينئذ سيضحي الناس بالأمن والأمان إذا كان ثمنه الجوع والحرمان .
و من المفيد أن تتنبه النخب الحاكمة أو بالأحرى " النخبة الحاكمة " إلى أنه لم يعد الفقراء المعدمين و حدهم و هم كثيرون من يشكلون بؤرة الخوف على النظام ، و أنهم لم يعودوا هم وحدهم الحانقون والغاضبون من النظام السياسي و كل مكوناته بل إن العدوى وصلت إلى الطبقة الوسطى أو ما تبقى منها ، و قبل أن يظن أحد أن هذا كلام يعبر عما يجول في نفس الكاتب " الحاقد ، المندس ، العميل و الذي يمتلك أجندة خارجية " فإنني أنبه إلى ضرورة قراءة المعطيات و تفاصيل المشهد السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي باهتمام و إخلاص و عندئذ يمكن أن نتحاور و نتناقش في الموضوع مع المشككين و المتفائلين .
ليس بالضرورة أن يكون من يصنع الثورة تنظيم سياسي أو حزبي ، علني أو سري وطني أو دخيل ، أو حركة مسلحة ، بل إن بعض مثقفي الطبقة الوسطى الذين يشعرون بالغبن و الظلم ، و بعض من تعتبرهم الدولة من أبنائها و المحسوبين عليها و المستفيدين من عطاياها قد يشكلون رأس الحربة في الثورة الممكنة ، هؤلاء يكتشفون أن الدولة أخذت منهم كل شيء و أعطتهم القليل بالنسبة لغيرهم ممن يعرفونهم ، فهم يكتشفون أنهم يقومون بعمل يستحق أن يكون ثمنه أكبر بكثير و يجدون أنهم يتنازلون عن كرامتهم و ينسلخون من طبقتهم التي ينتمون إليها و هي الطبقة الوسطى بينما ترفضهم الطبقة التي يحاولون الدخول إليها و هي طبقة النخبة " القابضة " والتي تدير كل تفاصيل المال و الأعمال ، و هنا يجدون أنفسهم مضطرين للاختيار ... فيختارون ..
هؤلاء و بعض مثقفي الطبقة الوسطى المنقرضة يكتشفون في لحظة تاريخية ما أنهم يمكن أن يكونوا زعامات شعبية ، و أن صورتهم التي لم تتهشم بعد قد تنفع لالتفاف الناس حولهم و يكتشفون أنهم مهيئون ليكونوا الزعامات والقيادات المجتمعية الجديدة في ظل التردي الكامل لصورة النظام المتآكلة .
و لو قرأنا في أسفار الثورة الفرنسية لوجدنا أن من أسس لها ووقف وراء انفجار بركانها كانوا المفكرين والكتاب أمثال جان جاك روسو و روبسبير و غيرهم ثم لحق بهم المثقفون و رجال الأعمال و بقايا الطبقة الوسطى الفرنسية التي كانت مقربة من النظام الملكي بل و بعض جنرالات الجيش الذين كانوا مستفيدين من النظام بل كان بعضهم من المترددين المعتادين على قصر فرساي و من هم على قائمة المدعوين المعتادين في الاحتفالات .
الثورة تصبح ممكنة عندما تتحكم نخبة قليلة العدد بكل مقدرات الوطن ، و تسيطر على المال و الشركات و والوكالات و الأسفار و الحوافز والمناصب العليا والوزارات و تعتبر أن بقية الشعب عليها أن تتدبر أمورها بنفسها وأن تتعود على البقاء في أدنى درجات سلم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ثم تتفاقم الرغبة في الثورة حينما يجد الشباب أنفسهم في حالة إقصاء قسري و اغتراب في الوطن ، حتى أنهم لا يجدون الوظائف المناسبة لهم بعد استعداد و دراسة جامعية طويلة تستنفد كل مقدرات عائلاتهم وإمكاناتها المالية الشحيحة أصلا ، بينما يرون أن النظام لا يدفع إلى الصفوف الأمامية إلا أبناء النخبة الذين يتوارثون المجد والسلطة والمال و النفوذ .
اليوم نجد أن مصداقية الدولة الأردنية قد تآكلت تماما بعدما نكثت بكل الوعود التي قطعتها على نفسها بتحسين أحوال الرعية ، و بعد أن اكتشف الناس أن موضوع الفساد هو السبب الرئيسي في تردي الأحوال المعيشية و انهيار مجموعة المثل والقيم التي كانوا يظنون أن الدولة تتمتع بها ، و رغم ذلك فإن الدولة غير معنية إطلاقا بمحاسبة الفاسدين و أن الملفات القليلة اليتيمة التي تم الترويج لها و معاقبة المسئولين عنها لم تكن إلا أكباش فداء للتغطية و ذر الرماد في العيون ، و هذا دفع بالكثيرين حتى الآن إلى فقدان كل أواصر المحبة و الثقة التي كانت تربطهم بالدولة بل إن بقايا الطبقة الوسطى الذين تحدثنا عنهم ، و قادة الأحزاب " الذين هم ممن كانوا يوما ما من النخب الحاكمة أو المشاركة في الحكم " و الكثير من الساسة القدامى باتوا يفكرون في الانضمام إلى معسكر الغاضبين و الناقمين على الدولة و ربما يكونون مستعدين غدا للانضمام إلى جيش الحراك الصغير الذي يواصل تقوية دفاعاته و يصر على تحركه بعد مرور أكثر من سنتين على ولادته ، و لو نظرنا اليوم إلى رئيس الوزراء المكلف والحالة التي يرثى له فيها و هو يقف في حالة استجداء قصوى أمام مجلس النواب ليحصل على ثقة يعلم هو أنه يدفع ثمنها من صدقيته و ربما كرامته ، كما يدرك أنه لن يستطيع أن يفي بالوعود التي يعد بها النواب كي يعطوه الثقة ، لو نظرنا إلى ذلك و تمعنا فيه لأدركنا مدى الخلل الكبير الناجم عن السياسات التي اتبعت في السنوات الأخيرة ، و لأدركنا أيضا و بعيدا عن المجاملات والشعارات والتملق الذي يتسلح به بعض أفراد النخب الفاسدة و هم يرسمون ابتسامات الرضا و عدم الاكتراث على وجوههم مدى العجز الذي وصلت إليه الدولة الأردنية و مدى الانقلاب الذي حصل في الشارع الأردني .
ولكن ... هل نسعى أو يسعى أحد ما حقيقة إلى ثورة ؟!
لا أظن ذلك ، لأن كل العقلاء من كل الطبقات والفرقاء " باستثناء الفاسدين " يعلمون أن الثورة تعني تدمير كل المنجزات و كل ما تحقق على مدار سنين طويلة ، غير أنه من المهم أن تفهم الدولة أن ذلك لا يمكن أن يدوم للأبد ، ولا يمكن أن تبقى قناعات الناس على ما هي عليه رغم الألم والمعاناة والفقر والجوع والعطش و الغبن والظلم الواقع عليهم .
إننا نعيش أياما عصيبة و شديدة الحساسية والخطورة ، و لا بد للدولة أن تعي أن هناك قرارات هامة عليها اتخاذها ، و أن وقت الوعود و الكلام المعسول قد نفد و أننا بحاجة إلى عملية إصلاح سياسي و اقتصادي حقيقية بكل ما تحمل الكلمة من معان ، و ما يمكن أن تقوم بالدولة اليوم قد لا تستطيع أن تقوم به غدا و " ما لا يدرك كله لا يترك جله " .
adnanrusan@yahoo.com
و من المفيد أن تتنبه النخب الحاكمة أو بالأحرى " النخبة الحاكمة " إلى أنه لم يعد الفقراء المعدمين و حدهم و هم كثيرون من يشكلون بؤرة الخوف على النظام ، و أنهم لم يعودوا هم وحدهم الحانقون والغاضبون من النظام السياسي و كل مكوناته بل إن العدوى وصلت إلى الطبقة الوسطى أو ما تبقى منها ، و قبل أن يظن أحد أن هذا كلام يعبر عما يجول في نفس الكاتب " الحاقد ، المندس ، العميل و الذي يمتلك أجندة خارجية " فإنني أنبه إلى ضرورة قراءة المعطيات و تفاصيل المشهد السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي باهتمام و إخلاص و عندئذ يمكن أن نتحاور و نتناقش في الموضوع مع المشككين و المتفائلين .
ليس بالضرورة أن يكون من يصنع الثورة تنظيم سياسي أو حزبي ، علني أو سري وطني أو دخيل ، أو حركة مسلحة ، بل إن بعض مثقفي الطبقة الوسطى الذين يشعرون بالغبن و الظلم ، و بعض من تعتبرهم الدولة من أبنائها و المحسوبين عليها و المستفيدين من عطاياها قد يشكلون رأس الحربة في الثورة الممكنة ، هؤلاء يكتشفون أن الدولة أخذت منهم كل شيء و أعطتهم القليل بالنسبة لغيرهم ممن يعرفونهم ، فهم يكتشفون أنهم يقومون بعمل يستحق أن يكون ثمنه أكبر بكثير و يجدون أنهم يتنازلون عن كرامتهم و ينسلخون من طبقتهم التي ينتمون إليها و هي الطبقة الوسطى بينما ترفضهم الطبقة التي يحاولون الدخول إليها و هي طبقة النخبة " القابضة " والتي تدير كل تفاصيل المال و الأعمال ، و هنا يجدون أنفسهم مضطرين للاختيار ... فيختارون ..
هؤلاء و بعض مثقفي الطبقة الوسطى المنقرضة يكتشفون في لحظة تاريخية ما أنهم يمكن أن يكونوا زعامات شعبية ، و أن صورتهم التي لم تتهشم بعد قد تنفع لالتفاف الناس حولهم و يكتشفون أنهم مهيئون ليكونوا الزعامات والقيادات المجتمعية الجديدة في ظل التردي الكامل لصورة النظام المتآكلة .
و لو قرأنا في أسفار الثورة الفرنسية لوجدنا أن من أسس لها ووقف وراء انفجار بركانها كانوا المفكرين والكتاب أمثال جان جاك روسو و روبسبير و غيرهم ثم لحق بهم المثقفون و رجال الأعمال و بقايا الطبقة الوسطى الفرنسية التي كانت مقربة من النظام الملكي بل و بعض جنرالات الجيش الذين كانوا مستفيدين من النظام بل كان بعضهم من المترددين المعتادين على قصر فرساي و من هم على قائمة المدعوين المعتادين في الاحتفالات .
الثورة تصبح ممكنة عندما تتحكم نخبة قليلة العدد بكل مقدرات الوطن ، و تسيطر على المال و الشركات و والوكالات و الأسفار و الحوافز والمناصب العليا والوزارات و تعتبر أن بقية الشعب عليها أن تتدبر أمورها بنفسها وأن تتعود على البقاء في أدنى درجات سلم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ثم تتفاقم الرغبة في الثورة حينما يجد الشباب أنفسهم في حالة إقصاء قسري و اغتراب في الوطن ، حتى أنهم لا يجدون الوظائف المناسبة لهم بعد استعداد و دراسة جامعية طويلة تستنفد كل مقدرات عائلاتهم وإمكاناتها المالية الشحيحة أصلا ، بينما يرون أن النظام لا يدفع إلى الصفوف الأمامية إلا أبناء النخبة الذين يتوارثون المجد والسلطة والمال و النفوذ .
اليوم نجد أن مصداقية الدولة الأردنية قد تآكلت تماما بعدما نكثت بكل الوعود التي قطعتها على نفسها بتحسين أحوال الرعية ، و بعد أن اكتشف الناس أن موضوع الفساد هو السبب الرئيسي في تردي الأحوال المعيشية و انهيار مجموعة المثل والقيم التي كانوا يظنون أن الدولة تتمتع بها ، و رغم ذلك فإن الدولة غير معنية إطلاقا بمحاسبة الفاسدين و أن الملفات القليلة اليتيمة التي تم الترويج لها و معاقبة المسئولين عنها لم تكن إلا أكباش فداء للتغطية و ذر الرماد في العيون ، و هذا دفع بالكثيرين حتى الآن إلى فقدان كل أواصر المحبة و الثقة التي كانت تربطهم بالدولة بل إن بقايا الطبقة الوسطى الذين تحدثنا عنهم ، و قادة الأحزاب " الذين هم ممن كانوا يوما ما من النخب الحاكمة أو المشاركة في الحكم " و الكثير من الساسة القدامى باتوا يفكرون في الانضمام إلى معسكر الغاضبين و الناقمين على الدولة و ربما يكونون مستعدين غدا للانضمام إلى جيش الحراك الصغير الذي يواصل تقوية دفاعاته و يصر على تحركه بعد مرور أكثر من سنتين على ولادته ، و لو نظرنا اليوم إلى رئيس الوزراء المكلف والحالة التي يرثى له فيها و هو يقف في حالة استجداء قصوى أمام مجلس النواب ليحصل على ثقة يعلم هو أنه يدفع ثمنها من صدقيته و ربما كرامته ، كما يدرك أنه لن يستطيع أن يفي بالوعود التي يعد بها النواب كي يعطوه الثقة ، لو نظرنا إلى ذلك و تمعنا فيه لأدركنا مدى الخلل الكبير الناجم عن السياسات التي اتبعت في السنوات الأخيرة ، و لأدركنا أيضا و بعيدا عن المجاملات والشعارات والتملق الذي يتسلح به بعض أفراد النخب الفاسدة و هم يرسمون ابتسامات الرضا و عدم الاكتراث على وجوههم مدى العجز الذي وصلت إليه الدولة الأردنية و مدى الانقلاب الذي حصل في الشارع الأردني .
ولكن ... هل نسعى أو يسعى أحد ما حقيقة إلى ثورة ؟!
لا أظن ذلك ، لأن كل العقلاء من كل الطبقات والفرقاء " باستثناء الفاسدين " يعلمون أن الثورة تعني تدمير كل المنجزات و كل ما تحقق على مدار سنين طويلة ، غير أنه من المهم أن تفهم الدولة أن ذلك لا يمكن أن يدوم للأبد ، ولا يمكن أن تبقى قناعات الناس على ما هي عليه رغم الألم والمعاناة والفقر والجوع والعطش و الغبن والظلم الواقع عليهم .
إننا نعيش أياما عصيبة و شديدة الحساسية والخطورة ، و لا بد للدولة أن تعي أن هناك قرارات هامة عليها اتخاذها ، و أن وقت الوعود و الكلام المعسول قد نفد و أننا بحاجة إلى عملية إصلاح سياسي و اقتصادي حقيقية بكل ما تحمل الكلمة من معان ، و ما يمكن أن تقوم بالدولة اليوم قد لا تستطيع أن تقوم به غدا و " ما لا يدرك كله لا يترك جله " .
adnanrusan@yahoo.com