الدبلوماسية الأمريكية وفقدان البوصلة!!
د.كمال الزغول
جو 24 :
إن ما يحدث من تخبط في سياسة أمريكا لهو دليل واضح على فشل القدرة على المسير في القنوات الدبلوماسية، وهذا من شأنه أن يقلل من مجاميع الثقة لدى دول العالم في المشروع الديمقراطي الذي تبنته الولايات المتحدة على مدار عقود، وان كان ناجحا في بعض الدول وفاشلا في أخرى .ومن هنا نستطيع القول أن المجال اصبح متاحا للقوى الصاعدة لكي تكسب ثقة العالم من ناحية التبادل التجاري ومن ناحية صناعة الحلفاء في أنحاء العالم.
أن عزوف امريكا عن مبادئها في استقبال اللاجئين ومحاولة بناء جدار بينها وبين المكسيك سيؤدي الى خلع عدة مباديء نص عليها الدستور الامريكي منها النظام السياسي الديمقراطي وضمان حقوق المواطنين والذي بدوره سينعكس على الثقة الدولية التي كانت تكتسبها امريكا في سنوات خلت .إن فقدان الثقة في أمريكا يمكن توضيحه في عدة نقاط على النحو التالي:
اولا، فقدان ثقة الحلفاء وهم الأقربون وخاصة عندما نتحدث أعضاء حلف الناتو ،فعلى سبيل المثال تخلت امريكا عن عضو قوي وهو تركيا ودعمت قوات سوريا الديمقراطية ودعمت في نفس حكومة اربيل مما افقدها الثقة العراقية والتركية على حد سواء ، وعلى صعيد آخر لم تفعل ما يمكن فعله تجاه ايران مما أضعف الثقة العربية في القيادة الحالية ومحاولة شراء صبرا استراتيجيا حتى تحين الانتخابات الامريكية القادمة.
ثانيا، فقدت امريكا رعايتها لما يسمى عملية السلام ،حيث أصبحت تعترف بالمحتل من الأرض قبل الأعتراف بالارض التي تم ترسيمها في معاهدة وادي عربة مثل اراضي الغمر والباقورة الاردنية واراضي الدولة الفلسطينية التي نصت عليها اتفاقات اوسلو،حيث قامت بالاعتراف بسيادة الصهاينة على القدس والجولان وبذلك تكون الادارة الامريكية قد نسفت رعايتها لأي عملية سلام وادخلت الدول العربية في مرحلة عدم ثقة مما ينبيء بالبحث عن بديل امريكي لرعاية السلام في الشرق الأوسط.
ثالثا، إن تراجع أمريكا عن دعم حلفائها وزعزعة عملية السلام بنسفها كليا، وفرض الضرائب على الشركات الأجنبية وايضا فرض عقوبات على روسيا واللعبة الوهمية في تهديد كوريا الشمالية وايران سيجعل دول أخرى تفكر في بناء نفسها وبناء ترسانتها من الاسلحة لمحاربة انقلاب الدبلوماسية الامريكية المنقلبة عليها واعتمادها على نفسها ومن ثم بناء حلفاء جدد .
رابعا، شعبوية النظام العالمي جعلت أمريكا تبدأ ببناء علاقاتها مع الحركات لا الدول، وأكبر مثال دعم الحركات والانطلاق من جغرافية القواعد لا من العرف الدبلوماسي المعهود حيث زار ترامب قاعدة الأسد في الموصل دون علم القيادة العراقية وارسل مستشارين عسكريين للأكراد دون استشارة أي قناة دبلوماسية في المنطقة والأدهى من ذلك السقوط الهرمي الدبلوماسي عندما يلتقي الرئيس الامريكي ترامب بزوجة المعارض الفنزويلي جوادو ويتحدث امام الكمرات كما يتحدث مع رئيس دولة ووسائل الاعلام الامريكية تسميها "سيدة فنزويلا الأولى" ....فهل زوجة جوادو تمثل قنوات دبلوماسية رسمية ....أمريكا اصبحت تقاد بطريقة عكسية حيث اسقطت مفهوم الدبلوماسية ودخلت مرحلة شعبوية عنوانها سياسة الفوضى والتي قد تؤثر على امريكا نفسها مستقبلا
إن الفجوة الناتجة عن الفوضى وفقدان بوصلة الدبلوماسية والتي نهلت منها ايضا الأُمم المتحدة المتلاحقة مع الفوضى الدبلوماسية الامريكية سيخلق من كل دولة طامحة كانت صغرى ام كبرى أمم متحدة مصغرة تسن قوانينها لوحدها وتبني نفسها بذاتها من أجل البقاء على قيد الحياة والافلات من فوضى السلاح وانعدام السلام والذي بدوره لن يسهم بنزع الاسلحة النووية بل على العكس سيتم بناء مفاعلات جديدة في مناطق غير متوقعة.