jo24_banner
jo24_banner

موقف الأردن تجاه الأزمة السورية.. القرار غير المستقل

د. انيس خصاونة
جو 24 : يشهد موقف الأردن تجاه الأزمة السورية تقلبات عديدة وتجاذبات يشتم منها أن قرارنا وموقفنا من تلك الأزمة ليس وليد مخاضات وحسابات وطنية صرفة بقدر ما يعكس سياسات ومواقف الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الكيان الصهيوني. ففي الوقت الذي استمر فيه الموقف الرسمي الأردني بالادعاء بأننا نحافظ على حيادنا تجاه ما يجري في سوريا وإننا مع حل سلمي للصراع بين الفرقاء المختلفين فقد لاحظنا أن هذا الموقف كان ينسجم الى حد بعيد مع الصمت الأمريكي وحرص الإدارة الأمريكية على عدم التدخل بطريقة يمكن أن تحسم الصراع لصالح الثوار السوريين.

إن التحذيرات التي استمر النظام السياسي الأردني في إطلاقها والتخويف منها خصوصا فيما يتصل بإمكانية سيطرة القوى الإسلامية على مقاليد الأمور في سوريا ما من شك كانت منسجمة مع مخاوف وقراءات أمريكية وإسرائيلية بأن تصبح سوريا حالة مشابهة ورديفة للحالة المصرية والتي اذا ما نجح الإخوان المسلمون في الوصول الى مواقع صنع القرار في سوريا فإنهم سيشكلون تهديدا للمصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة، لا بل فإن مثل هذا السيناريو يمكن ان يعزز وضع الحركة الإسلامية في الأردن ويجعل مركز ومتانة النظام السياسي الأردني المثقل أصلا بمشاكله المتعددة في أضعف حالاته.

سفرات الملك ولقاءاته المتعدة مع الرئيس الأمريكي وتصريحاته بأننا في الأردن ننسق مع "أصدقائنا الإسرائيليين" في المنطقة ومهاجمة النظام العلنية للرئيس المصري لا بل والتحريض عليه وتحذيره من" أننا لا نريد استبدال نظام دكتاتوري في سوريا بنظام دكتاتوري إسلامي" كل ذلك يتماشى مع الرؤى الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، خصوصا اذا أخذنا بعين الاعتبار اللقاءات السرية والعلنية للقيادة الأردنية مع القادة الإسرائيليين والتنسيق معهم للسماح باستخدام الأجواء الأردنية من قبل طائرات الاستطلاع وربما الطائرات القتالية في مراحل لاحقة.

النظام السياسي الأردني يتخذ موقفا متماهيا مع الموقف الأمريكي نحو سوريا .فبعد ادعاء الحياد لمدة ثمانية عشر شهرا من بداية الأزمة السورية فإننا نشهد توافد القوات الأمريكية القتالية الى الأردن رغم نفي الحكومة ممثلة بوزير خارجيتها ناصر جودة لذلك ونحن نقول من لديه شكوك بوجود هذه القوات فعليه الذهاب الى منطقة الإكيدر ليرى بأم عينه عدد وعديد القوات الأمريكية في الأردن.

قرار انتشار هذه القوات الأجنبية لم يتم بموافقة البرلمان الأردني عليه كما ينص الدستور وهو يشكل تحديا صارخا لمشاعر الأردنيين الذين لا يرغبون برؤية قوات أجنبية على أرضنا ولا يرغبون أيضا بالسماح لطيران العدو الصهيوني باستخدام أجوائنا لضرب سوريا أو أية دولة عربية أخرى.

موقفنا من الأزمة السورية تحركه مصالح أمريكا وليست مصالح الأردن وتحركه مخاوف إسرائيل من دولة إسلامية على حدودها، وتحركه أيضا مخاوف النظام السياسي الأردني من تعزيز قوة جبهة العمل الإسلامي في الأردن وما يمكن أن يترتب عليه من تصاعد الضغوط المطالبة بإجراء إصلاح سياسي حقيقي يتيح للأردنيين حكم أنفسهم بأنفسهم.

النظام السياسي يستنفر كل طاقاته هلعا وخوفا أولا على نفسه واستمراريته ويخضع خضوعا شبه تام للموقف الأمريكي الذي ينبع من مصالح أمريكية وإسرائيلية صرفة وهو بذلك يخاطر بما تبقى له من مخزون ودعم شعبي آخذ بالتناقص نظرا لعدم انسجام موقف النظام مع تطلعات الأردنيين وحساسيتهم من مصادرة قرارنا الوطني والخضوع لإرادة أمريكا ومصالحها في المنطقة .

الارتباك والضعف الذي يعاني منه نظامنا السياسي نابع من أن النظام يعمل بمعزل عن شعبه ويتخذ قرارات هامة منفردة متعلقة بانتشار قوات أجنبية على أرضنا والتعاون مع دول كنا وما زلنا نعتبرها شعبيا ومعنويا وأخلاقيا وتاريخيا عدوة لنا، دون اعتبار لما يراه ويشعره الأردنيون وهذا الوضع يضيف كثيرا الى أجواء الاحتقان والشك وعدم الثقة بما يفعله أولي الأمر منا بخصوص مستقبل دولتنا وشعبنا.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير