دروس مستفادة من ازمة كورونا (5): نظام اقتصادي عالمي جديد اقطاع وعمال
الدكتور سليمان الشياب
جو 24 :
تحدثت في الحلقات الأربع السابقة من دروس اقتصادية مستفادة من ازمة كورونا عن الحلول التي يمكن ان تتبناها الحكومة الاردنية لتفادي الاثار الاقتصادية السيئة التي ستترتب على ازمة كورونا وذكرت ما يجب ان يتخذ فيه من قرارات سريعة ليتم تنفيذها في الاجل القصير والمتوسط والطويل ولكن حديثنا اليوم سيكون حول شكل العالم بعد كورونا وما سينتج عن هذه الازمة من تغييرات جذرية تجعل العالم كله مختلف عما سبق كورونا ستختفي كيانات وتظهر اخرى ستختفي شركات وتظهر اخرى ستختفي مهن او تتقلص لصالح التقنية الجديدة والروبوت ستزداد شراسة راس المال ويتغول اكثر فاكثر سنجد انفسنا امام اقطاع وعبيد يعود مرة اخرى سيكون نظام اقتصادي عالمي جديد لا رحمة فيه حرب تدور رحاها لم تعلن بشكل رسمي بين الصين وامريكا كل طرف يتهم الاخر بانه هو من صنع هذا الفيروس والسؤال الذي يحير العالم هل فعلا هذا الفيروس مصنع ونشهد حربا بيولوجية ؟
وللإجابة اقول ليس مستغربا ان تقوم دول عظمى بمثل هذا ولكن قبل ان تكمل اجابتك يقاطعك السائل كيف ذاك والدولتان اصيبتا بهذا الفيروس ودفعت كل واحدة منهما ثمنا من شعبها واقتصادها وللتوضيح هل كانت امريكا لا تعلم انها ستفقد من جيشها في الحروب التي شنتها عبر العقود القليلة الماضية وهل كانت لا تعلم انه سيترتب على تلك الحروب كلف اقتصادية باهظة الجواب بلى ولكن هل كان الهدف من هذه الحرب نصرا عسكريا فقط الجواب قولا واحدا لا فليست كل الحروب الهدف منها عسكريا فعندما قام بوش الاب بالحرب على العراق في بداية التسعينات بحجة الاسلحة المدمرة كان احد اهداف امريكا الرئيسة هو اعلان ان العالم يحكمه قطب واحد وان العالم كله يقاد من قبل امريكا وامر اخرهل كان هناك ارهاب حقيقي في العالم ام صنعته امريكا بحجة تدمير بعض الدول لا بل بحجة تدمير منطقة باسرها فخلقت ما سمي بداعش واين هي داعش الان.
ليس لدي ما يثبت انها حرب مصطنعة ولكن ما يهم في هذا السياق هو ما نستنتجه من السياقات والتحليلات وما نراه على الارض من وقائع تشير الى اننا مقبولون على تغييرات جوهرية كانت متوقعة لكن كورونا سرعة بها وجعلتها اقرب مما كان متوقعا ومنها التحكم بالعالم بالتقنية واستبدال العامل البشري بالتكنولوجيا وسيطرت راس المال بشكل اكثر شراسة مما نحن فيه الان وسنجد انفسنا امام نظام جديد اشبه بنظام الاقطاع والعبيد وبالتالي ستكون النتائج كارثية ان لم يتم تدارك الامر وذلك على مستوى الدول والشعوب والافراد.
لا شك اننا بحكم ديننا وانسانيتنا نحب الخير للعالم اجمع ولكننا في البداية لا بد وان يكون اهتمامنا بهذا الوطن الذي نحن منه وله فهل نستطيع ان نحافظ على كياناتنا الاقتصادية وسط هذه الامواج العاتية من التغييرات الكبيرة التي ستطال كل شيء وهل نستطيع ان نخفف من حدة هذه النتائج السيئة على اقتصادنا وهل الاجراءات الحكومية الحالية تخدم هذا التوجه ؟
للإجابة على ذلك اقول ان ما تقوم به الحكومة في الملف الاقتصادي ليس هو المطلوب لا بل ان هذه الاجراءات ستؤدي حتما الى انتهاء بعض الاعمال الصغيرة وان كانت بعض الاجراءات الحكومية وفرت دخلا للمالية العامة على حساب الموظف البسيط وبقيت تشتغل الحكومة بعقلية المحاسبة لا بالعقلية الاقتصادية .
المطلوب اليوم قرارات اقتصادية مالية تنعش الاقتصاد وتعين المنشآت الصغيرة والمتوسطة والكبيرة لينهض الاقتصاد فان التهديدات التي تواجه العالم بإمكاننا ان نحولها الى فرص بحكم موقعنا وبحكم ما نتمتع به من امن واستقرار وعقول نيرة وبإمكاننا ان نحول المحنة الى منحة اذا توافرت الادارة الواعية ولديها ارادة حقيقية بالنهوض بالبلد فهذا الشعب العظيم الذي تحمل يستحق منا ان نقدم له ما يستحق وان يتمتع بعيش كريم له وللأجيال القادمة
حمى الله الاردن وحمى العالم الاجمع من شر هذا الوباء
* الكاتب استاذ الاقتصاد والتمويل