لست جميلة!
حنان الشيخ
جو 24 :
لو كان الجمال عنصرا فاعلا في مقاييس القبول، فأعتقد أن حظي في هذه المسألة لن يسعفني!
ببساطة أنا فتاة غير جميلة. وحين أقول إنني لست جميلة فأنا أعني ذلك تماما وأعيه أيضا. وأي عبارة مجاملة على هيئة استنكار من أمي الحنونة، أو استهزاء من صديقاتي المخلصات، أو تغيير للموضوع من زملائي الأفاضل، لن أعتبرها بعد اليوم إلا تواطؤا خبيثا من الآخرين، يهدف إلى زعزعة ثقتي الراسخة بعقلي الذي يعي، وإحساسي الذي لا يخطئ!
في طفولتي البعيدة كنت محترفة في لعبة الاختباء، تحت جلباب حاكته والدتي حول خصرها، لأرتاح في كنفه الذي كان يجيد الطبطبة، على كتف صغيرة بدأت تتحسس أنها مختلفة، بمجرد أن تقوم من نومها. كان كنف أمي يتسع لأسئلتي كلها، عن بشرتي مختلطة الألوان، وملامحي الغليظة وعيني المدفونتين تحت منطقة الحاجبين الكثيفين. كانت وكأنها حضرت نفسها جيدا لتلك الأيام، من اللحظة التي وقعت عليها عيناها علي في المستشفى. كانت تعرف بماذا ستجيب.
وكنت لاحقا أكتفي بإجاباتها الشافية المعافية. وأركض نحو بنات الجيران بعد العصر، وبنات عمي في الإجازات الصيفية، أخبرهن بقصة البطة السوداء، التي استحالت بجعة جميلة خفيفة تغار منها الطيور، وتتمنى أن تحلق برشاقتها إلى السماء. طبعا كنت أضيف فصولا جديدة كل مرة على القصة، مع مرور السنين. ومؤكد أنها كانت فصولا تتعلق بمرحلة ما بعد التحول إلى منطقة الجمال.
لكن كنف الوالدة لم يتسع بعد لجسمي، الذي استطال وتعرض وامتدت أطرافه خارج خيمة الحضانة، لتبدأ طرق النوافذ والأبواب بكامل قوتها، وتعلن لمن صدق قصة البطة، أن القصص ليست متشابهة دائما. لذلك كان لزاما علي وأنا في أول شبابي السكينة إلى حكاية أخرى، تأخذ منحى الفلسفة والتأمل. ركنت مطولا إلى زاوية باردة، اخترعها واحد أعتقد أنه كان حساسا جدا، حين قال إن الجمال جمال الروح. أمسكت بطرف العصا المنقذة وبدأت أعدو في مضمار ضيق، يتسع لقليلات ممن أعجبتهن فلسفة الروح تلك، ومارسنها بقوة وجسارة احتملت قصص حب من طرف واحد، والتمادي في دور الرفيقة التي تجمع الرؤوس في الحلال، والزهو المتكلف بلقب "أخت رجال"!
إنما ولأنه مضمار عدو لا أكثر ولا أطول، فقد كان لزاما علي أن أصل يوما إلى خط النهاية. وأعود بعد التصفيق الحاد واستلام كؤوس البطولة، وحدي إلى نفسي، إلى أمنياتي أن لو كنت واحدة من الحضور، تتفرج على السباق من بعيد، بكامل دلالها ورشاقتها وتقاطيعها الجميلة، تأكل الفوشار وتشرب مياها معدنية، ويحتك كتفها بالصدفة مع أحدهم، الذي جاء خصيصا إلى الملعب، ليتفرج عليها هي.
لا أنكر أن تفوقي الدراسي ومن ثم نجاحي في العمل، جاوزا بي مرحلة ما بعد السؤال، إلى مرحلة الإيمان بقضاء الله وقدره، وبنصيبي من الدنيا "الغرورة" وحصتي من جمال الروح. لكن ذلك لم يخدع مرآتي أبدا!
إنسانة ناجحة؟ نعم. محبوبة من الجميع؟ الحمدلله. لدي طموح؟ لدي طموح. أحظى بحرية؟ أكيد. أتمتع بالاستقلالية؟ بدون جدال. لكن.. أنا ما زلت غير جميلة باعترافي الشخصي الصريح. ماذا أريد من الجمال؟ بصراحة أريد أن أتحرر من قيد أدمى قصتي مطولا، وآن له أن ينكسر. واليوم هو موعدي مع كبير جراحي التجميل، الذي وعدني خيرا كثيرا، وسعادة جديدة لم أجرب طعمها لثلاثين عاما مضت. فأرجوكم لا تلوموني على خطوتي هذه، ولا تبدأوا حفل المواعظ والحكم. فالواحد منكم لم يجرب أن يكون روحا تتأجج، وباطنا يستعر، في عالم ليس له إلا الظاهر.
hanan.alsheik@alghad.jo
(الغد)
لو كان الجمال عنصرا فاعلا في مقاييس القبول، فأعتقد أن حظي في هذه المسألة لن يسعفني!
ببساطة أنا فتاة غير جميلة. وحين أقول إنني لست جميلة فأنا أعني ذلك تماما وأعيه أيضا. وأي عبارة مجاملة على هيئة استنكار من أمي الحنونة، أو استهزاء من صديقاتي المخلصات، أو تغيير للموضوع من زملائي الأفاضل، لن أعتبرها بعد اليوم إلا تواطؤا خبيثا من الآخرين، يهدف إلى زعزعة ثقتي الراسخة بعقلي الذي يعي، وإحساسي الذي لا يخطئ!
في طفولتي البعيدة كنت محترفة في لعبة الاختباء، تحت جلباب حاكته والدتي حول خصرها، لأرتاح في كنفه الذي كان يجيد الطبطبة، على كتف صغيرة بدأت تتحسس أنها مختلفة، بمجرد أن تقوم من نومها. كان كنف أمي يتسع لأسئلتي كلها، عن بشرتي مختلطة الألوان، وملامحي الغليظة وعيني المدفونتين تحت منطقة الحاجبين الكثيفين. كانت وكأنها حضرت نفسها جيدا لتلك الأيام، من اللحظة التي وقعت عليها عيناها علي في المستشفى. كانت تعرف بماذا ستجيب.
وكنت لاحقا أكتفي بإجاباتها الشافية المعافية. وأركض نحو بنات الجيران بعد العصر، وبنات عمي في الإجازات الصيفية، أخبرهن بقصة البطة السوداء، التي استحالت بجعة جميلة خفيفة تغار منها الطيور، وتتمنى أن تحلق برشاقتها إلى السماء. طبعا كنت أضيف فصولا جديدة كل مرة على القصة، مع مرور السنين. ومؤكد أنها كانت فصولا تتعلق بمرحلة ما بعد التحول إلى منطقة الجمال.
لكن كنف الوالدة لم يتسع بعد لجسمي، الذي استطال وتعرض وامتدت أطرافه خارج خيمة الحضانة، لتبدأ طرق النوافذ والأبواب بكامل قوتها، وتعلن لمن صدق قصة البطة، أن القصص ليست متشابهة دائما. لذلك كان لزاما علي وأنا في أول شبابي السكينة إلى حكاية أخرى، تأخذ منحى الفلسفة والتأمل. ركنت مطولا إلى زاوية باردة، اخترعها واحد أعتقد أنه كان حساسا جدا، حين قال إن الجمال جمال الروح. أمسكت بطرف العصا المنقذة وبدأت أعدو في مضمار ضيق، يتسع لقليلات ممن أعجبتهن فلسفة الروح تلك، ومارسنها بقوة وجسارة احتملت قصص حب من طرف واحد، والتمادي في دور الرفيقة التي تجمع الرؤوس في الحلال، والزهو المتكلف بلقب "أخت رجال"!
إنما ولأنه مضمار عدو لا أكثر ولا أطول، فقد كان لزاما علي أن أصل يوما إلى خط النهاية. وأعود بعد التصفيق الحاد واستلام كؤوس البطولة، وحدي إلى نفسي، إلى أمنياتي أن لو كنت واحدة من الحضور، تتفرج على السباق من بعيد، بكامل دلالها ورشاقتها وتقاطيعها الجميلة، تأكل الفوشار وتشرب مياها معدنية، ويحتك كتفها بالصدفة مع أحدهم، الذي جاء خصيصا إلى الملعب، ليتفرج عليها هي.
لا أنكر أن تفوقي الدراسي ومن ثم نجاحي في العمل، جاوزا بي مرحلة ما بعد السؤال، إلى مرحلة الإيمان بقضاء الله وقدره، وبنصيبي من الدنيا "الغرورة" وحصتي من جمال الروح. لكن ذلك لم يخدع مرآتي أبدا!
إنسانة ناجحة؟ نعم. محبوبة من الجميع؟ الحمدلله. لدي طموح؟ لدي طموح. أحظى بحرية؟ أكيد. أتمتع بالاستقلالية؟ بدون جدال. لكن.. أنا ما زلت غير جميلة باعترافي الشخصي الصريح. ماذا أريد من الجمال؟ بصراحة أريد أن أتحرر من قيد أدمى قصتي مطولا، وآن له أن ينكسر. واليوم هو موعدي مع كبير جراحي التجميل، الذي وعدني خيرا كثيرا، وسعادة جديدة لم أجرب طعمها لثلاثين عاما مضت. فأرجوكم لا تلوموني على خطوتي هذه، ولا تبدأوا حفل المواعظ والحكم. فالواحد منكم لم يجرب أن يكون روحا تتأجج، وباطنا يستعر، في عالم ليس له إلا الظاهر.
hanan.alsheik@alghad.jo
(الغد)