من أول وجديد"
حنان الشيخ
جو 24 : أكاد أجزم أن ردود فعل الناس على الرفع الذي طال الضرائب المفروضة على الملابس، لم تكن أكثر من حفلة كوميديا متواصلة، ابتدأها شعب اشتهر بتكشيرته التاريخية، ليواجه بأضعف الايمان ذلك التغول الذي يعبث بمقدرات الشعب، ولقمة عيشه وكرامته. الملابس آخر همّ الناس بالمناسبة في ظل تراكم هموم الخبز والمحروقات والاتصالات والخدمات. لكن ولأن القرار رفيع الذوق جاء في سياق هجوم الحكومة المباشر على جيوب المواطنين، فقد أخذ نصيبه وما يزال من الغضب مرة والتهكم ألف مرة. الأسرة الأردنية في العموم اعتادت أن تدبر نفسها بخصوص الملابس، بالاعتماد على طرق وحيل تاريخية، تعرفها الأمهات الأردنيات، وما يزال يحفظ ذكراها رجال وسيدات، كانوا في الماضي أطفالا يشبهون بعضهم في ظروفهم، ومظهرهم وتفاصيل حياتهم. أتحدث طبعا عن السبعين بالمائة من الشعب الأردني وذكرياتهم المشتركة، ولا دخل للثلاثين في المائة ممن يحتفظون بمذكرات دافئة، لم تسطر في دفاترها القديمة صورة بنطال مهترئ، هو إرث الأخ الأكبر الذي لا يجب الاستغناء عنه طالما يحتمل رقعا زيادة. أو مثلا الحذاء الأوسع بنمرتين عن المقاس الأصلي، المقرر له حياة حافلة بالعطاء لعامين على أقل تقدير، يمكن تجديدها لملحق آخر يستفيد منه شخص آخر في العائلة أو الجيران. وبناء على ذلك فإن خبر استثناء سوق البالة، من قرار الرفع الضريبي، أعتبره ليس ذكيا بالاعتماد على فهم بنية المجتمع الأردني، وتاريخه الطويل في التعامل مع بند الملابس. أما بالنسبة لأسواق الماركات المقلدة، والتي أصر القرار على عدم شمولها بالاستثناء، فلم تكن في الحقيقة ولمدة سنوات قليلة، أكثر من ملاذ كريم لجأت إليه بناتنا على وجه الخصوص، ليقنعن أنفسهن وربما غيرهن ممن يمكن أن "تمشي" عليهن تلك الحيلة، أنهن لا يختلفن عن بنات الناس! الصبايا سيعدن إلى سوق البالة من جديد، حيث تنتعش الحياة مرة أخرى في "مول" العبدلي كما يحلو لخفاف الظل أن يسموه، وشارع الطلياني، وتل إربد الصناعي وسوق بالة الزرقاء. ولن تخجل الواحدة منهن إن صادفت صاحبتها تحمل أكياسها السوداء، في الطريق إلى محلات الـ "دراي كلين"، لأن الحال من بعضه، والحي أبقى من الميت!وفي هذا الخصوص، سمعت وقرأت مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" من قبل بعض الفتيات والشباب الأردنيين، أن النية قائمة على زيارة تلك الأسواق الجمعة القادمة، بعد أن يفض التظاهر المنوي إقامته في وسط البلد، احتجاجا على رفع الأسعار وسياسات الحكومة التعسفية بحق كرامة المواطن وخبزه وحريته.الاحتجاج يحمل عنوان "خبز حرية عدالة اجتماعية، من أول وجديد"، في إشارة إلى عودة النشاط السياسي للحراك الشعبي والذي تراجع في الآونة الأخيرة، تماهيا مع الوضع السياسي في الاقليم، الذي فرض تأجيل ملفات محلية ولو أنها ساخنة، لحساب الترقب والانتظار والتخوف مما هو قادم. هذا التوقف، حسب رأي الحراكيين، كان منفذا فسيحا، استرطبت الحكومة هواءه العليل، فقررت أن تنشر غسيل الشعب، أو بالأحرى السبعين بالمائة من الشعب، مرة واحدة، بدون أن تحسب حساب موسم الأمطار المبكرة!
(الغد)
(الغد)