مطلوب علم!
حنان الشيخ
جو 24 : خطرت في بالي هذه العبارة، والتي كانت عنوانا لأحد الأفلام التوثيقية المهمة ولكن للأسف لم تر طريقها إلى النور. خطرت هذه العبارة حين التقيت صدفة قبل أيام بمعلمة صف للمرحلة الابتدائية، في إحدى المدارس الخاصة، والتي فاجأتني حقيقة بحادثة مرت بها شخصيا مع مجموعة أطفال، في الصف الأول الابتدائي، كانت قد وزعت عليهم أوراقا وأقلاما ملونة، وطلبت منهم أن يرسموا أعلام بلادهم، حيث إن المدرسة ذات طابع دولي، تضم بين صفوفها طالبات وطلابا من أصول وبلاد عربية وأجنبية مختلفة.المفاجأة التي نقلتها لي المعلمة، أنها وفي نهار اليوم الدراسي التالي، وجدت نفسها وجها لوجه أمام صور لأعلام مرسومة بشكل متعرج أحيانا وخارج عن الخط أحيانا أخرى، لم تكن تتوقع أنها موجودة في وجدانيات هؤلاء الصغار. ورغم أن المشهد يحمل صورا تدعو للابتسام والسخرية أحيانا، إنما إذا أردنا أن نمعن الانتباه والاهتمام والقراءة، سنجد أنفسنا كمربين ومعلمين، وإعلاميين ومثقفين وأولياء أمور وطنيين عرب، أمام كارثة محققة!أقسمت لي المعلمة أن علم سورية مثلا كان مرسوما بشكلين مختلفين، واحد نقلا عن العلم التاريخي الأصلي، وآخر عن علم الثورة المستجد. وزادت أن طفلين من أصل مصري رسما علم بلادهما كما نعرفه منذ التاريخ، فيما طفلة ثالثة رسمت إشارة رابعة بدل النسر في المستطيل الأبيض المتوسط! طبعا وحتى لا أكون متشائمة، عليّ أن أذكر أن أعلاما ما تزال بصحتها وعافيتها، منقولة على أوراق التلاميذ، عدا عن ورقة واحدة راهنتني هي أنني سأتحدث عنها، وهي ورقة أحد الأطفال الذي قسمها إلى نصفين بالعرض، رسم عليهما علمين متلاصقين هما علما الأردن وفلسطين! بالنسبة لي أنقل الصورة بكل فخر.المهم، أن المضحك المبكي في الصور المتناقضة للأعلام السورية والمصرية، أن الأطفال المعنيين بها، اعترفوا وبكل براءة أمام المعلمة المندهشة، أنهم قاموا برسمها بمساعدة "البابا والماما". وهذا بحد ذاته الضوء الأحمر الذي أردت أن أشعله اليوم. فعلى ما يبدو أن تواريخ حديثة تكتب من جديد، ليس فقط على مستوى الأحداث والتغيرات الجيوسياسية، بل وللأسف الشديد أن انقسامات حادة بدأت تتضح شروخها على الوجدان الوطني والقومي. وأعتقد أن أهالي وأولياء أمور هؤلاء الطلاب، قد ارتكبوا جريمة كاملة في حق أطفالهم، حين قاموا بالتدخل المتوحش الفظ بعقليات صغارهم، وعبثوا في مكوناتها الطبيعية البريئة والطيبة. ولم يكتفوا بذلك فقط، بل إن المعلمة أخبرتني أنها تلقت مكالمة هاتفية من أحد هؤلاء الآباء، يطلب منها ألا تكرر مثل هذه الطلبات المحرجة!ما يؤلم المعلمة وآلمني جدا أن الأطفال من أصول كندية وهندية وكينية قدموا لوحات مرتبة وزاهية الألوان، تنبئ عن اهتمام ورعاية خاصين جدا، من قبل أهالي هؤلاء الأطفال، لعكس صورة جميلة وناصعة. طبعا عليّ أن أنوه إلى أن المعلمة التي رفضت أن أذكر اسمها، تمتلك ثقافة تحليلية للصور، تستند على دراستها المتخصصة في سيكولوجيا الصورة.وأخيرا وحتى تكتمل القصة الغريبة، وتماهيا مع عنوان الفيلم الوثائقي "مطلوب علم"، الذي تم إنتاجه إبان تصفيات كأس العالم 2010، كان وقع الخبر قويا عليّ، بعدما أخبرتني المدرسة المكلومة، أن تلميذين ظريفين وشقيين، قاما بتقديم ورقتين مفاجئتين، واحدة مطبوع عليها إلكترونيا علم برشلونة، وأخرى تزهو بعلم "تشيلسي".. لا حول ولا قوة إلا بالله!
(الغد)
(الغد)