jo24_banner
jo24_banner

لماذا فشل الربيع العربي ؟

علي الحراسيس
جو 24 : ما بين التحولات الكبرى التي شهدتها أوروبا في القرن الثامن عشر وتوجتها الثورة الفرنسية ،وما حققته تلك الثورات من انجازات عظيمه مستمرة الى يومنا هذا في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية ،ومابين الثورات العربية التي " نلاخم " فيها كما يقال ولم نحقق ما كنا نصبو ونحلم به من تغييرات واسعة طال انتظارها ، فأن اقل ما يمكن قوله هنا ان الثورات الأوروبية قد أتت ضمن مخاض ثقافي قاده مفكرون وفلاسفة وكتاب وساسة مثقفون ،دفع الكثير منهم ثمنا باهظا من الاضطهاد والقمع والتنكيل من الأنظمة القائمة حينها ...وكانت أفكارهم وأرائهم مرشدا لتلك الثورات وشعلة قادتهم نحو الخلاص ..
في بلادنا العربية ينقسم المثقفون بين مؤيد للثورات وداعم لها دون ان يقدموا الحلول " العلمية " والبرامج " المرشدة " للثورات ،وبين مؤيد وداعم للأنظمة والتسحيج لها دون أن يتقدم بفكرة تمس مطالب الناس في الإصلاح ،فخرج الناس للشارع دون برنامج ،وحتى الذين تولوا الحكم لم يتمكنوا أصلا من تحقيق الانجاز ، فاغرقوا بلادهم وأنفسهم في أزمات دفع الناس ثمنها غاليا وأتاحت للخارج التدخل وتسيير الأزمات ومعالجتها ،لأنها في الغالب تملك خطابا فئويا لايلبي طموح البشر ،وما يجري في سوريا مثال على تخبط المعارضة وانقسامها ،لأنها لم تحدد أولوياتها ولم تمتلك البرنامج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ..فتاهت الثورة ، وهاهي تنتظر التدخل الخارجي ليس لإخراج الأسد من الحكم ، بل لإخراجهم هم من أزماتهم المتراكمة !!!
الثقافات او الخطابات السائدة في بلادنا في غالبيتها خطابات فئوية ، يسعى كل طرف لإثبات صحتها والدفاع عنها وربطها بقوى خارجية تدعمها ، وتندلع المعارك السياسية والمواجهات الفكرية بعضها ببعض بصورة أشد من مواجهة الأنظمة نفسها ! وقد تميل بعضها لفتح قنوات " تحالف " مع الأنظمة كي تتغلب على طرف أخر ينازعها الفكرة والأداة .. وبالتالي وباختصار شديد ضاع المثقفون وضاعت الثورات وفشل الربيع ..
نحن بأمس الحاجة لمثقفين مستقلين غير فئويين ، قادرين على صياغة رؤية شاملة تعالج فيها كل مشكلاتنا وتكون هي البرنامج والرؤية التي يجب العمل لتحقيقها إن اردنا انجاز هذه الثورات ..
الثورات العربية هي وسيلة لا غاية ، وهذه الوسيلة تفتقد في غالبيتها للحد الأدنى من متطلبات إنجاحها،و اقصد هنا البرنامج الشامل ،فناهيك عن غياب النخب التي تقود تلك الثورات واندفاعها بشكل مغامر و" مراهق" دون وعي ودون برنامج وطني " عقلاني " ،الى جانب تحيز بعض النخب لفئويتها ومحاولتها " التكويش " على تلك الثورات والمس بنوايا وتوجهات الفئات الأخرى المشاركة في الثورة أو " الربيع " بغية نيل المكاسب بسرعة دون تروي ودون توافق وتعاضد الجميع ،وقد تتوافق مع الأنظمة " المتسلطة" نفسها إذا ما حصلت على امتيازات " قوانين " تتيح لها المجال لتحقيق مكاسب آنية داخل الدولة تجعلها في صف النظام نفسه في مرحلة من المراحل !!،فان مصير تلك الثورات محكوم بالفشل حتى لو وصلت تلك الفئة او غيرها للحكم .
أسوأ ما جرى في ظل هذا الربيع " المراهق " غياب الوسطية والاعتدال وبروز اتجاهات متطرفة تبيح القتل والدم مع من تختلف معهم بعد أن ظنوا ان اللعبة قد انتهت قبل ان يصفر الحكام ! وسقطت القيم الأخلاقية التي كانت حتى في حدها الأدنى متوفرة بين أصحاب الاتجاهات ،وسقط معها الأدب والشعر والجمال وغابت الرواية الجميلة وحتى لوحات الحياة،وغابت الشفافية وغاب الحوار وضاعت كلمة السواء ...
أمام هذا كله وأكثر ،فهل يمكن للربيع العربي ان يزدهر أصلا !!
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير