jo24_banner
jo24_banner

قيادات التعليم العالي في الأردن تفكيرها متآكل وتجاوزها الزمن

د. انيس خصاونة
جو 24 : المتتبع لشؤون التعليم العالي في الأردن يصاب بالصدمة عندما يستمع لتصريحات القيادات سواء في وزارة التعليم العالي أو في الجامعات، والتي تتضمن إشارات إلى إنجازات وهمية وبطولات قيادية وإدارية، في الوقت الذي ينحدر مستوى التعليم والبحث العلمي في هذه المؤسسات إلى مستويات قياسية. تتحدث هذه القيادات عن جودة التعليم وبناء شخصيات الطلبة والعناية بالنشاطات اللامنهجية في الوقت الذي يلمس فيه الأهالي وأرباب الأعمال الذين يتعاملون مع مخرجات الجامعات بأنها تتراجع بشكل خطير. يتحدث رؤساء الجامعات عن المكانة المرموقة للجامعات التي ابتليت بقيادتهم ونسوا أن يضيفوا إلى تصريحاتهم بأن هذه الجامعات «كانت» لها سمعة طيبة في الماضي، ولم تعد تتميز بها حاليا. نسي رؤساء الجامعات أنه ليس هناك أي جامعة أردنية ولا عربية أيضا احتلت مكانة مرموقة وفق المعايير والتصنيفات العالمية المعمول بها سواء في إنتاج البحث العلمي أو التعليم، فعن أي إنجازات وتميز يتحدثون إذا كانت معظم القيادات في الجامعات جاءت بالواسطة والمال السياسي والتزلف لأولي الأمر والأجهزة الأمنية؟
أسئلة كثيرة تدور في خلد المرء وهو يستمع لبرامج عن عبقرية رئيس جامعة وإبداعاته الكبيرة وتاريخه العلمي المشرف، علما بأنه تخرج بصعوبة واستغرق برنامجه سبع سنين بدلا من أربع وحاز على درجة مقبول. رئيس أحدى جامعات الشمال المرموقة يقوم بإجراء تشكيلات أكاديمية بين نواب الرئيس والعمداء، ويبلغ أعضاء فريقه من المبشرين بإرادته السنية في الوقت الذي ينسب بأسماء أخرى لمجلس الأمناء؛ مما يكشف عن تخبط واضح وعدم تنسيق بين رئيس الجامعة ومجلس أمنائها.
أما رؤساء مجالس أمناء الجامعات الحكومية فهم أسوأ حالا من رؤساء الجامعات؛ فمعظم هؤلاء الأمناء مستنفذون ومجهدون بدنيا وذهنيا قدموا كل ما لديهم من طاقات وأفكار، عندما خدموا رؤساء تنفيذيين للجامعات التي أصبحوا فيما بعد رؤساء لمجالس أمنائها. كثير من رؤساء مجالس الأمناء بلغ بهم العمر وتجاوزهم الزمن، ويحتاجون للراحة والاسترخاء، وعليهم وعلى الدوائر الأمنية التي عينتهم أن يدركوا أن تقادم العمر له مقتضيات وخصوصيات تحول دون التفكير الصافي والقرارات العقلانية التي تمكنهم من إحداث تغيير نوعي في مسيرة الجامعات.
الجامعات الأردنية تستحق من الدولة الأردنية أن تتمتع باستقلال حقيقي يمكنها من اتخاذ قراراتها وفق أسس علمية، وليس أسس أمنية ومخابرتيه. انتقاء رؤساء الجامعات ينبغي ألا يتدخل فيه المال السياسي ولا التمثيل العشائري والقبلي ولا الصلات مع الأجهزة الأمنية، حيث أصبح هؤلاء الرؤساء أدوات طيعة مطواعة بيد عقيد أو عميد في الدوائر الأمنية، يتلقون منه أوامر وتوجيهات ويستدعون إلى دائرة المخابرات العامة بشكل دوري، ويناقشون في تعيينات العمداء ونواب الرئيس وغيرهم. رؤساء مجالس أمناء الجامعات ورؤساء الجامعات تحولوا إلى موظفين بيروقراطيين تنفيذيين لدرجة أصبح العاملون في الجامعات يتندرون ويسخرون من ضعفهم ورعبهم من أولياء نعمتهم الذين عينوهم بغير وجه حق.
لقد بدأ الكثير يشكك في نية الدولة الأردنية في النهوض بالجامعات والمحافظة على سويتها، فهي لا تخصص المال اللازم لتحقيق ذلك، وهي لا تعطي الجامعات المال الذي تجمعه باسم هذه الجامعات، وتستمر في الابتعاث دون أن تدفع رسوم الطلبة المبتعثين، والأنكى من ذلك أن الدولة تقوم وبصلف شديد بتعيين القيادات على أسس قبلية وعشائرية وأمنية ضاربة بعرض الحائط ما تنص علية لوائح هذه الجامعات وتشريعاتها. وخلاصة القول أن قيادات التعليم العالي في الأردن قيادات تفتقر للحيوية والطاقة والإمكانات التي تحتاجها الجامعات، ليس فقط للنمو وتطوير نفسها ولكن للمحافظة على ما هو موجود والحيلولة دون الانحدار إلى الهاوية، وهذا الوضع يتحمله النظام السياسي الذي لا يعطي أية أولوية للجامعات، وينشغل بدلا من ذلك في قضايا تتعلق باعتقالات وملاحقات للمعارضين والحراكيين والناشطين سياسيا وتتبعهم وسجنهم والتحكم بأرزاقهم وأرزاق أبنائهم. إن حركة المناقلات والتعيينات المتوقح إجراؤها بين رؤساء الجامعات الحكومية لن تغير من الوضع شيئا، إذا لم تتغير القواعد والأسس التي يتم اختيار هذه القيادات على أساسها، وإذا لم ترفع الأجهزة الأمنية يدها عن الجامعات وتتوقف عن التدخل في قراراتها؛ وإلا فإننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة نودع قيادة ضعيفة ونرحب بأخرى أكثر ضعفا منها، وبالطبع الخاسر الأكبر هي الجامعات والشعب الأردني.
(السبيل)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير