العرب وايران بعد رحيل الأمريكان
يبدو أن الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول(5+1 )باعتبار انه يعبر عن التغيير الحاصل في ميزان القوى العالمي سينعكس إيجابا على الملفات الساخنة في المنطقة ويفتح آفاق التسويات لا سيما ملف الأزمة السورية ومنح ايران حق تخصيب اليورانيوم بنسبة ضئيلة مقابل تخفيف الحصار شيئا فشيئا تجده طهران خطوة " ايجابية " للتخلص من حصار استمر لأكثر من 3 عقود وعقوبات أنهكت الدولة بالرغم من معارضة تيارات محافظة في كل من واشنطن وطهران لذلك الاتفاق واعتباره نصرا لإيران عارضته السعودية المنافس الأكبر للدولة الإيرانية في المنطقة .
السعودية من طرفها باتت وجها لوجه مع إيران في المنطقة ،حيث تدرك الرياض أن إيران لن تتخلى عن مشروعها " الطائفي " في المنطقة بالرغم من التنازلات التي قدمتها حيال مشروعها النووي ،وتخشى السعودية من أن رفع العقوبات عن إيران والسماح لها بتخصيب كميات من اليورانيوم سيضاعف من ثراء إيران وبالتالي تزداد قوة حلفائهم " سوريا والعراق وحزب الله والحوثيين والمعارضة في عدة دول في الخليج ،ولذلك تسعى جاهدة لإسقاط نظام الأسد " العلوي " وتضييق الحصار على نظام المالكي في العراق وضرب حزب الله في لبنان قبل أن يأتيها الإعصار الإيراني حتى لو كان تخفيف الحصار يستدعي شهورا او عامين على الأقل بسبب الإجراءات والمماطلة الإيرانية وضعف الثقة في نظام إيران غير المتسرع حيال إنهاء مشروعه النووي .
الأردن من جانبه يبدو انه لن ينجر وراء الرغبات السعودية خشية التورط في صراعات إقليمية بالرغم من ان التحالفات القادمة في المنطقة ستكون على أساس طائفي ، وتشير كل الدلائل فيها إلى ضعف " الأنظمة السنية " في مواجهة المشروع الطائفي القادم بعد عودة إيران للمنطقة وتحررها من الحصار وغياب مصر ،ولم يخف السعوديون امتعاضهم من " المماطلة الأردنية " في التحرك العسكري وتنفيذ هجمات ضد نظام بشار كان اتفق حولها قبل أن ترفع الولايات المتحدة وأوروبا يدها عن التورط ، والأردن لا يملك وحده قرار المواجهة في ظل التطورات الإقليمية التي حدثت بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وفشل الثورة السورية في تحقيق أهدافها ، فتحسين العلاقة مع دمشق في ظل فشل الثورة السورية في تحقيق أهدافها ومواجهة الخطر الأصولي الذي بات على مقربة من حدوده يستدعي فتح حوار شامل وإن كان موجود أصلا على مستوى أمني ، وعلى الأردن وقف الانجرار وراء السياسات " السعودية " الداعية إلى توريط الأردن بمواجهات شاملة مع النظام السوري او العمل على الإسراع بإسقاطه ،فالأوضاع الاقتصادية في الأردن اضعف من ان يخوض مواجهات عسكرية في ظل " تقطير " الدعم الخليجي ورفض دول الخليج إخراج الأردن من أزمته المالية المتراكمة وحتى ضمه لدول مجلس التعاون .
إسرائيل المعارضة لتخفيف العقوبات قبل إبادة المشروع الإيراني كاملا ستكون إلى جانب من يحقق لها المصلحة العليا وإن كانت تعارض الاتفاق ، ولايعنيها أي تحالفات سابقة او علاقات قائمة في ظل توازنات جديدة قد تفرضها عودة إيران الى المنطقة ، وتحييد حزب الله ، والإيرانيون هم الأقرب للتحالف مع إسرائيل حتى من دول عربية تقيم علاقات مع إسرائيل إذا ما حقق " التحالف الشيعي " انجازات على مستوى المنطقة بعد عودة إيران ، فيما إيران تنظر لتطوير العلاقات مع إسرائيل كي تضمن إضعاف الأنظمة السنية وتحييد إسرائيل حيال أي مشروع طائفي خاصة في السعودية والعراق والبحرين والكويت ...
روسيا التي لعبت دورا رئيسا في الحفاظ على نظام الأسد باتت هي الأقرب لإيران منها للعرب ، والتاريخ لا يشفع للعرب علاقاتهم السابقة المبنية على عدم الثقة مع روسيا حتى لو غازلت السعودية ودول أخرى روسيا بعلاقات اقتصادية وشراء أسلحة ...لأن روسيا تعرف تماما أن التقارب السعودي تجاهها ليس أكثر من " رسالة عتاب وحرد " من سلوك الولايات المتحدة الأمريكية وما شعرت به من خذلان أصابها بسبب سياسات اوباما تجاه سوريا وإيران .
المرحلة القادمة ستكون صعبة على العرب والأنظمة السنية منها خاصة ما لم يدركوا اللعبه قبل ان يرتفع عنهم الغطاء ،فالتكامل والتنسيق العربي السني مطلوب قبل أي وقت مضى ، ومصر التي تنشغل بنفسها منذ الثورة قبل 3 أعوام تدرك ما يجري وتراقب ، والسعودية تنتظر التغيير المرتقب في مصر بعد إزاحة الإخوان عن الحكم بنظام موال لها كي تدفع باتجاه مواجهة متوازنة مع المشروع الإيراني الجديد ،فغياب مصر عن الساحة اضعف السعودية ودول أخرى ،ومن هنا كانت السعودية أصلا مع تولي العسكر الحكم او تولي الحكم من قبل موالين لها .