في الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير
أسقط شعب مصر كما فعلوا في سوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن أكذوبة أن المصريين شعب لا يثور وما يلحق بها من أوهام صغيرة أخرى مثل أنهم مجتمع خامل وسلبي. ثم جاء مشهد 25 يناير واطاح بحكم عسكري مستبد قاده مبارك وحزبه ، ليؤكد أن هذا الشعب قد تخلص من خوفه ليسجل جدارته في قائمة الشعوب المناضلة ضد الاستبداد ،وسجل في 30 يونيو ثورة اخرى اطاحت بحكم الاخوان والتكويش والتفرد وتجاهل رفاق الثورة ومفجريها ..
قبل ثلاث سنوات، بات ذلك اليوم مثل الحلم بعد أن كان الأمل يعمّ حشود ميدان التحرير في وسط القاهرة بأن فجراً جديداً سينبعث مع قيام الثورة المصرية. شبان وشيوخ، نساء ورجال، مسلمون وأقباط، مدنيون وعسكر، عائلات حملت أطفالها وتوجهت إلى ذلك المكان الذي تحوّل إلى ما يشبه نصباً للحرية وللخلاص من أعباء سنوات الحكم الذي تعاقب على مصر منذ ثورة 1952. لذلك لم يبالغ «شعب» ميدان التحرير في اعتبار 25 يناير بمثابة إعادة اعتبار، أو حركة تصحيحية لثورة 1952 .
هذا الذي اعتبر بشهادة العالم كله أفضل وأنبل ما في شعب مصر تحول إلي الأسوأ والأرذل يوم تحول نداء الحرية من طاقة ساحرة وملهمة إلى قوة محرضة على الفوضى والاقتتال والتناحر. وسوف تبقي تسجيلات برامج بعض الفضائيات المصرية من المنتمية إلى التيارين الديني وغير الديني على حد سواء دليلا وثائقيا يحفظه التاريخ عن غرابة فهم المصريين لقيم الديموقراطية ولحق الاختلاف السياسي. وسوف تبقى محفوظة في سجلات التاريخ أيضا كل الكتابات التي مارس من خلالها المصريون التخوين والتكفير والمساس بالأعراض والتحريض في مواجهة بعضهم البعض بأكثر مما مارسوا حريات الرأي والتعبير والاختلاف على النحو الصحيح والمتحضر الذي تعرفه المجتمعات الديمقراطية الرشيده،وسيسجل لفضائيات ودول عربية دورها " الهدام" فيما وصلت اليه الحالة المصرية عبر التحريض والتوجيه ضد ذاك الطرف او غيره .
لم يكن أي طرف من الطرفين المتنازعين على السلطة في مصر، من يسمّون أنفسهم " تحالف دعم الشرعية" أو الذين يعتبرون أنفسهم مؤتمنين على تصحيح مسار الثورة وإنقاذه من "الإرهابيين" ، لم يكن أيّ منهما الفريق المهيمن وصاحب الصوت الأعلى يوم 25 يناير. الفريق الأول هبّ إلى قطف ثمار الثورة، في ظل غياب القوى الحزبية المنظّمة، أما الفريق الثاني الذي ينافس اليوم على إرث الثورة بحجة أنه «حماها»، فلم يكن أمامه خيار فعلي في وجه ملايين " رابعة " سوى الخيار الذي اعتمده بشار الأسد ضد ملايين السوريين.
اخطر ما يواجه مصر هو العقلية الاستبدادية الرافضة للمنطق والعقل ، وبالتالي سيتسرب اليها اخطار اخرى ممثلة بعودة رموز مبارك من جديد وكذلك احتمالات واسعة ان تسير مصر على فوضى الارهاب والقتل والتفجيرات والحكم العسكري ، وكذلك فان اختيار السيسي كشخصية قيادية مؤثرة في مصر لرئاسة الجمهورية وعودة العسكر للحكم سيولد حزبا سياسيا غالبيته من فلول الحزب السابق وما اضيف اليه من عسكر وقوى قد تنخرط فيه وتعود الحال على طريقة حزب مبارك بحيث يمسك وحده بالدولة وتعيش مصر كما عاشته في عهد مبارك وحزبه .
التوافق والتفاوض والحوار قاعدة اساسية لحماية مصر من كل الاخطار المحدقة بها ، فاستمرار اشتعال الشارع يعني اتاحة المجال لقبضة امنية مشدده وتفجيرات وفوضى .
لابد من عقلاء يحمون الثورة ، فحماية الثورة اهم بكثير من خطوة تفجيرها وأهم بكثير من "شرعية الكرسي " التي قد تولد وتجلب لمصر خرابا يستمر لسنين او عقود ..