لنكتب أدب الثورة !
من حسنات الربيع العربي أنها بينت لنا مدى اهتمام الشباب العربي بالكتابة وكشفت عن توفر الخميرة الإنسانية الضرورية لثورة أدبية في المستقبل القريب، ساعدها في هذا الحضور التكنولوجي والاتصالاتي العظيم والتغييرات الكبيرة التي طرأت على سيكولوجية ودافعية المواطن العربي للبحث في حياة كريمة مصانه بعد أن خلع عباءة الخوف عن قلبه، متحديا رصاص ونار الانظمة الاستبدادية والقهرية ،وبالتالي نحن أمام "ثورة " جديدة أو " إنسان عربي جديد " يخوض بلا ملل او كلل او خوف ثورة عاتية ضد انظمة استبدادية حرمته من ابسط معايير الانسانية والكرامة والحياة .
ولكي تكتمل الثورة، لابد من أن توازيها ثورة أخرى على مستوى الادب ، فلكل ثورة أدباؤها ولكل حدث بديع في تاريخ الإنسانية من يشتغلون على تدوينه بشتى الوسائل المتاحة، حتى يخلد ويبقى إرثاً لا تطاله أيادي التقادم، ولأن رسالة الأدب في المحصلة تتجاوز الحيز الجغرافي الذي يولدُ فيه، ليعانق الانشغالات الإنسانية بمعزل عن المكان الذي احتضنه واللغة التي أُنتج بها والثقافة التي آوته بما يشكله من تعبير عن المشترك الإنساني في قوالب إبداعية تمنحه الخلود ، فلا بد لأي أدب ان ينقل التجربة الإنسانية من مستوى الحدث العادي إلى المتخيل، والمسافة الفاصلة بين الواقع والخيال هي بالضبط التي تمنح لهذه التجربة مغزاها وتجردها من الزمان والمكان لتسمها بالخلود وتصبغ عليها طابع الأنسنة .
لقد أتيحت لنا فرصة حضور محاضرات واستمعنا وقرأناعن أناس يتحدثون عن الثورة او الربيع العربي بشكل ارتزاقي أكثر مما استمعنا إلى أدباء يحملون في كينونتهم الرئة الأخرى التي يمكن أن تتنفس بها الثورة الحقيقية؛ أقصد أن الأدب هو الرئة الثانية للثورة ، ولكن كيف لبعض هؤلاء أن يحس بهذه الرئة وهو متخندق في أدوار صغيرة وضيقة تفرضها الطائفة والولاء والمصلحة الشخصية والعداء للآخر المختلف؟ كيف يمكن لشخص أن يُسمي نفسه أديبا ونحن نعرف أنه ليس من "الأدب" في شيء أن يكتب في أدب التغيير " الثورة " بنزاهة وحيادية وشفافية عالية !
تكمن اهمية وضرورة وجود " ادب الربيع العربي " لو اجيز لنا التعبير هذا كي يلعب دورا جوهريا في نشر الأفكار والقيم والانتقال اللغوي بالناس من مستوى متدن إلى مستوى أعلى خطابيا وتزويدهم باللغة التي يحتاجون إليها في الممارسة السياسية، ولكي يكون كذلك محفزاً للثورة وممهداً لها عبر تأسيس الإطار المفاهيمي المرجعي لها من خلال تداول لغتها وأفكارها لأنه سيخلق لها قناة لغوية وتعبيرية تستطيع بواسطتها تجسيد نفسها.
شكل ادب الثورة في ظل الاحتلال والاستعمار في العهد الحديث علامات فارقة وانتاجية عالية ساهمت بدفع العملية النضالية الى الامام و خاصة في كتابات تشكل علامات فارقة في الأدب العربي الحديث وأعني بالضبط أعمال عبد الرحمن منيف، صنع الله إبراهيم وغسان كنفاني وحيد حيدر؛التي كانت تشكل لوحدها ثورة في تغيير مفاهيم ونهج وادوات النضال وفعلت فعلها مع المجتمعات التي اندفعت فكريا وليس روحانيا للانضمام الى الثورات ، فكانوا دوما مستهدفين من قبل الاعداء لخطورة ما ينفذونه من " ثورة تغيير " عاتية .. فعملوا ونجحوا احيانا على إسكات البعض منهم وقتله ،وفشلوا مع أخرين ..
نحن بحاجة إلى " أعمال أدبية " أو أدب ثوري لايسرد فقط الاحداث التي تجري ، بل يمنحها الاطار الادبي والنضالي والرئة التي تمده بالقوة والنقاء والاستمرار ،دون ان يسمح لبعض "الثوار" المغشوشين على حلم الشعوب أن يتسلقوه باسم الدين والطائفة والمصالح الضيقة، ولذلك وجب على أهل القلم والكلمة الصادقة أن يحذروا من سرقة أدبهم الرفيع من قبل متأدبي الثورة وتجار أي شيء في سوق نخاسة الكلمات. حري بنا أن نرفض "أدبهم" ونشيح بوجوهنا عن وجهتم حتى لا تصيبنا عدوى الانتفاع من المحرم في معبد الأدب المُهاب. فجمال الابداع في صفاء سريرة صاحبه وما أحلى الاستمتاع بكلمات كاتب دخل هذا المعبد طاهراً من شوائب الوصولية والنفاق. وقانا الله وإياكم من شر الاثم في محراب الأدب ومن أدب من يكتبون عن تواجدهم المغشوش في تقاطع النيران.