انتخابات مصر .. الاحباط سيد الموقف
ما من شك ان نسبة مشاركة ابناء مصر في انتخابات الرئاسة الأخيرة التي شهدتها مصر كانت أقل بقليل مما كانت عليه في الانتخابات السابقة التي جرت وخاصة منها انتخابات المرحلة الثانية من اول انتخابات أعقبت الثورة والتي جمعت الرئيس مرسي واحمد شفيق ولم تتجاوز حينها ال 51 % بالرغم من حالة النهوض والاستعداد والأمل الذي كان يحيا في نفوس الشعب المصري بمختلف فئاتهم ومشاربهم وقواهم السياسية والشبابية للانطلاق نحو دولة عصرية ديموقراطية تحترم حقوق الانسان وتحفظ كرامته وتواجه بقوة اوضاعه الصعبة التي يعيشها جراء حكم الاستبداد والفساد الذي خيم على مصر عقودا طويلة ،وحتى في ظل ما انفق من مليارات الدولارات التي كانت تحمل رائحة النفط لشراء الاصوات لصالح المرشحين ! فيما أعلن عن مشاركة 46 % ممن يحق لهم الانتخاب في الانتخابات الاخيرة التي جمعت السيسي وحمدين صباحي وهي نسبة لا تبتعد كثيرا عن الانتخابات الأولى ، ورغم حالات التشكيك التي اعقبت اعلان تلك النسبة واتهامات التمديد والتلاعب التي لم يتفق معها الكثير من تقارير المنظمات الدولية و العربية التي راقبت الانتخابات ولم تأتي على اية اتهامات بالتزوير ، إلا أننا نستطيع تناول اسباب ذاك التراجع انطلاقا من قراءة الاحداث وتطورها منذ لحظة سقوط حكم مبارك وحتى اعلان فوز الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرا .
إن اتجاهات الشارع المصري بدأت مختلفة مع الانتخابات الاخيرة وهذا أمرطبيعي استنادا الى حالة الاحباط التي يعيشها الشارع المصري افرادا وقوى وجماعات ، إذ لاحظ المراقبون الغياب شبه الكلي للناخبين الشباب، خلافا لما كانت عليه الحال في انتخابات 2012 وهو تعبير عن خيبة أمل لما آلت إليه الحال في مصر ، ولم يستطع الشباب، أو غيرهم، تنظيم أنفسهم، أو إخراج قيادة موحدة، و لم يقدم الإخوان المسلمون على مراجعة وتصحيح لمواقفهم،وفشلت الأحزاب التاريخية منها خاصة بتنظيم نفسها وفرض ارادتها وتقديم مرشح قوي في مواجهة مرشح العسكر ، وبالتالي، ووسط كل هذه الفوضى والانفلات والتردي الاقتصادي والسياسي، فمن الطبيعي أن تتراجع المشاركة و تخرج النتائج بهذا الشكل الكاسح بفوز المشير السيسي ، لأن القيادة الوحيدة المنظمة والواضحة بمصر الآن هي قيادة المشير عبد الفتاح السيسي التي حظيت بدعم اعلامي وشعبي كبيرين أقنعا الناس بفوز السيسي حتى قبل بدء عملية الانتخاب بعدة اسابيع .
كذلك ، أدرك شباب الثورة والأحزاب هنا أن الثقافة والعقلية التي حكمت مصر في مرحلة ما بعد مبارك هي نفسها العقلية التي حكمت مصر طوال عقود مضت رغم الثورة واسقاط النظام وتعطش الناس للتغيير ، وأن ادوات الحكم بقيت مجبولة بسياسة وسلوك الاستبداد واقصاء الأخر ومعاداة المنافس ، فهي إذا موجودة عند الجميع دون استثناء سواء أكان الحاكم قادما من مؤسسة عسكرية او دينية او ليبرالية ، فغالبية الأحزاب العاملة في مصر وجموع القوى الشبابية التي تشكلت وقفت مع مرسي في مواجهة احمد شفيق ، لكن سياسة الاقصاء والتكويش التي مارستها الجماعه بحق الاحزاب والشباب تحديدا ومنظمات المجتمع المدني والاعلام والازهر والقضاء والجامعات وبقية المكونات الاجتماعية والسياسية والفكرية في مصر دفعتها للتراجع عن المشاركة ، وأصابها الاحباط من امكانية أن يتخذ أي حكم قادم موقفا مغايرا لموقف الجماعة من القوى الفاعلة واحترام مكوناتها وافكارها خاصة أنه ات من مؤسسة عسكرية نجحت في عزل رئيس شرعي ، فكان الرفض يتعلق بمجمل الأوضاع الراهنة التي تعيشها مصر منذ سقوط مبارك ولا علاقة لها بالمرشح هذا او ذاك .
المواطن المصري ليس آمن فهو يبحث عن الأستقرار والأمن ورغيف الخبز والوظيفه ، ولذلك خرج في ثورته مناديا بها ، لكن ما بعد مرحلة مبارك وحكم مرسي ومن ثم الانقلاب وممارسات الحكم اصابته بالاحباط ودفعته للمقاطعة والجلوس في البيت كي يراقب على شاشات التلفاز مرور تلك اللعبة على أمل أن تخرج مصر من الفوضى .
الأهم من هذا كله أن بلاد الربيع العربي التي خاضت جماهيرها ثورات التغيير لم تنعم بالحرية ولا العدالة رغم سقوط غالبية انطمة تلك الدول ، بل انها تعيش كابوسا من الدم والقتل والتهجير وحكم المليشيات والانفلات الأمني والتفجيرات التي تستهدف الشباب ولم تمنح الشعوب الأخرى الرغبة والتعزيز لمواصلة نضالها نحو الافضل ، فكانت ان تراجعت الجماهير وهدأت نفوسها وقبلت بالمعادلات التي تجري وفقا لصراع الكبار عسكر وليبراليين ومتدينين ، فاحتجبت الجماهير وتراجع اندفاعها ومشاركتها في التصويت كما هي الحالة في مصر ،وانخفضت دافعيتها نحو المشاركة في العملية السياسية برمتها محملة طواقم الحكم الجديد في مرحلة ما بعد مبارك مسؤولية تلك الانفلاتات الأمنية والفوضى والتفجيرات وقتل الناس من أجل العودة للحكم او الاستئثار به .