jo24_banner
jo24_banner

التعليم وثورة التغيير

وجدي الجريبيع
جو 24 :

يعتبر تطور النظام التعليمي من أهم الركائز التي يبنى عليها تقدم المجتمعات وإزدهارها في مختلف مناحي الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ويضمن تلبية طموحها وتحقيق أهدافها في التنمية ، فمقدار تقدم الشعوب يقاس بمدى إستثمارها في التعليم و الموارد البشرية وليس بالثروات الطبيعية فقط .


وفي الأردن وخلال السنوات العشر الأخيرة إنتقل النظام التعليمي من الأسلوب التقليدي القائم على التلقين والحفظ وجمود المناهج لأسلوب أكثر حداثة يعتمد على تبني مشروع تطوير التعليم نحو إقتصاد المعرفة (ERFKE) ، وعملت وزارة التربية والتعليم في المرحلة الأولى من المشروع على إعداد مناهج جديدة تعمل على صقل شخصية الطلبة وإكسابهم المعرفة ليكونوا مستعدين للحياة والعمل ضمن مبدأ الاقتصاد المعرفي ، كما يركّز المشروع على تطوير البرامج التربوية والمناهج الدراسية وتدريب المعلّمين وتحسين أدائهم وتطوير استراتيجيات القياس والتقويم ، وتوظيف التكنولوجيا في عملية التعلّم والتعليم وأخيراً توفير المباني المدرسية المجهزة لهذه الغايات .


وفي المرحلة الثانية من المشروع التي بدأت في عام 2009 لتنتهي في العام 2014م سيتم التركيز على التغيير التنظيمي والتطوير المؤسسي لدعم وإعادة توزيع المسؤوليات والمساءلة من أجل توفير التعليم النوعي ،والتركيز على ضرورة إيجاد تدريب مطّور للمعلمين ما قبل وأثناء الخبرة ،و مراجعة المناهج وموارد التعلم لتنقيحها لتوائم نتاجات التعلم حسب الصفوف والمواضيع و إدخال تحسينات على تقييم الطلبة، بالإضافة إلى زيادة فرص التعلم الإلكتروني في المدارس مع إيلاء اهتمام خاص لبرامج التربية الخاصة والخدمات والتعليم المهني، وتوسيع التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة والتحسين في توفير نوعية بيئات التعلم.


ومع ذلك يبقى هناك سؤال هام حول مدى فعالية ما تم تطبيقه في ظل بقاء مؤشر التعليم الأساسي في المرتبة 72 عالمياً بحسب التقرير السنوي للتنافسية العالمية 2011-2012م والذي نشر خلال فعاليات المنتدى الإقتصادي العالمي (WEF) الذي عقد مؤخراً ، وتقدم مؤشر التعليم العالي للمرتبة 59 عالمياً من بين 133 دولة .


وهذه الأرقام ليست محبطة بالضرورة ، فوزارة التربية والتعليم وفي ظل الإمكانيات المتوفرة والعوامل الإقتصادية الإجتماعية والسياسية حققت نجاحات كبيرة على مستوى الوطن العربي والعالم ، ويتوقع خلال السنوات الثلاث المقبلة أن يحقق الأردن مراكز متقدمة في مؤشرات التعليم بشرط إتخاذ حزمة جريئة من الإجراءات أو (ثورة بيضاء) للإنتقال لمرحلة التعليم التكاملي التفاعلي ما بين المدرسة بمكوناتها والبيت والمجتمع ككل ، وهو ما يتطابق مع رؤية وزير التربية والتعليم الدكتور فايز السعودي الذي أكد على أهمية التكنولوجيا الحديثة في التعليم مع وضرورة نقل ثقافة التعليم والتربية من مفهوم التخصيص بالمدارس الى التشاركية المجتمعية، بمعنى تغيير ثقافة التعليم والتربية لدى الافراد الذين يؤثرون في العملية التعليمية التربوية فالمعلم والمدرسة والمجتمع والبيت كل هؤلاء يجب ان يتعمقوا بمفهوم التشاركية التعليمية وسمو الفكر لبناء مجتمع المعرفة .

و لتحقيق هذا التشاركية ما بين هذه الأطراف للنهوض بالتعليم يجب أولاً الإقتناع بفكرة التحول من كون التعليم مسؤولية حكومية إلى فكرة أن التعليم قضية قومية تحتاج إلى دعم و مساندة كافة قطاعات المجتمع،و تعزيز مفهوم المواطنة و تعميق روح الانتماء و الحب للوطن، و الذي يقوم على الإدراك الواعي و المتوازن بين الحقوق و الواجبات، مساهمة المؤسسات الإعلامية بأهمية المشاركة المجتمعية في تطوير التعليم، التأكيد على أن العمل الخيري لا يقتصر على مساعدة الفقراء بل يتعدى ذلك إلى المساهمة في التنمية ، التحول إلى اللامركزية في إدارة النظام التعليمي.


والمشاركة المجتمعية وإن كانت مطلوبة من كافة الفئات و القطاعات و الهيئات و المؤسسات والشرائح الاجتماعية، ألا أنها مطلوبة وبالدرجة الأولى من أولياء الأمور فهم أصحاب المصلحة الحقيقية في التعليم و المرتبطون به ارتباطا مباشرا وبالتالي فان دورهم هو الأكبر حجما والأشد تأثيرا وأفضل مشاركة لأولياء الأمور تكون عن طريق تفعيل مجالس الآباء التي يجب أن يكون لها دور مباشر في إدارة العملية التعليمية وفي اتخاذ القرارات التربوية التي من شأنها النهوض بالتعليم و تحسين جودة البرامج المقدمة.

وقبل كل ذلك هناك أجراءات هامة يجب إتباعها و مرتبطة بشكل وثيق بالتكنولوجيا و المعلم والمنهاج والطالب لنحقق الهدف الذي نريد ، ولنبدأ أولاً بالتكنولوجيا وتغيير فكرة أن إدخالها للمدراس ليست بالضرورة رغم أهميتها بعدد الحواسيب التي تم توفيرها لمدارس المملكة وعدد حاملي شهادة الـicdl و intel من المعلمين ، فهناك مدراس لا يتوفر فيها معلمي حاسوب وبعضها لا يوجد فيها كهرباء والشهادات التي ذكرتها الهدف منها عند البعض هو الحصول على علاوة فقط وليس بالضرورة أن يستخدم كل من حصل عليها مهاراته في التدريس ، فبعض التخصصات تعتمد على الكتاب فقط .
لذا ينبغي أن يعاد النظر ببرامج تدريب المعلمين وربطها بمنهاج جديد ومتطور والأهم محوسب ، لكي نضمن إستمرارية فعالية هذه البرامج وإنعكاسها على شخصية المعلم والطالب في أن واحد ومن ثم مخرجات العملية التدريسية.


ثانياً – إعادة صقل شخصية الطالب من خلال إدخال برامج تدريبية ضمن البرنامج المدرسي تتعلق بجوانب الشخصية وصقلها وتنمية مهارات الإتصال والتواصل والقيادة والحوار لديه ، وإكسابه قدرات في التعلم والبحث والتحليل والتخطيط ، ويمكن الإستعانة بخبرات من خارج المدرسة لإعطاء هذه البرامج أو تدريب مجموعة من المعلمين عليها لنقلها للطالب ، وهناك تجربة ناجحة للوزارة في هذا المجال من خلال إستراتجية الحوار والمناطرة التي نتمنى أن تشمل جميع مدراس المملكة وتضمينها في المناهج وتخصيص حصتين إسبوعياً لها .

ثالثاً – كسر الجمود وإطلاق الإبداع لدى المعلم وعدم حصره داخل جدران الغرفة الصفية وإشراكه في صياغة مستقبل العملية التعليمية ، وذلك من خلال إعطائه دوراً أكبر في إعداد المناهج وعدم تقييده التام بإيصال المعلومة من خلالها فقط بل حثه على البحث والتحليل والنقاش مع الطلبة ، وتدريبه بالشكل الأمثل وتحفيزه معنوياً ومادياً .

رابعاً – إستمرارية تحديث المناهج وحوسبتها وربطها بالتطورات العلمية والتغييرات الإجتماعية والإقتصادية وحتى السياسية ، والأهم أن تكون مرتبطة بمرحلة عمرية وليس بكل صف بحد ذاته .

و ختاما أود التنويه أن تحقيق ما سبق ذكره من أفكار ليس بالضرورة شرطاً لتطور التعليم وإحداث التغيير المنشود ، بل هناك شروط أخرى مرتبط بالكفاءات التربوية القادرة على تحقيق هذا الهدف ، فعملية الإحلال والتبديل والتغيير بدءاً من الحقائب الوزارية ووصولاً لموظف عادي وبيروقراطية وجمود الأسس والتعليمات في إختيار الكفاءات تسهم في تراجع عملية التطور .


Wajdi008@yahoo.com

تابعو الأردن 24 على google news