لسنا أقل من الليبيين
لأول مرة منذ عام 1964، يذهب الليبيون إلى صناديق الاقتراع كي ينتخبوا مؤتمراً وطنياً، مهمته إدارة المرحلة الانتقالية، واختيار حكومة مؤقتة، ومن ثم وضع دستور وقوانين ناظمة للحياة السياسية.
الليبيون الذين لم يعرفوا السياسة، ولا الأحزاب منذ نصف قرن ارتضوا بقانون يعتمد القائمة النسبية والفردية، بشكل يكاد يكون متوازناً، واحتفلوا بهذا الخيار، وذهبوا إلى الصناديق بنسبة 60%.
لم يصرخ الليبيون -وهم المجففون من السياسة- لا نريد هكذا قانوناً؛ لأننا ما زلنا في المرحلة الجنينية، ويكفينا أن نذهب إلى محاصصة، وحقوق مكتسبة تعد خطوة أولى نحو المستقبل الكاذب.
ما جرى في ليبيا أول أمس أعاد الدوار إلى رؤوسنا كي نتذكر كيف نتلاعب نحن في الأردن بالقوانين؛ كي لا تنجز لنا ديمقراطية! أو أي اقتراب من توسيع المشاركة!
لسنا أقل شأنا من إخوتنا الليبيين، بل تجربتنا الحزبية والسياسية متقدمة عليهم كثيرا، وبيننا وبينهم بون واسع يؤهلنا لنفعل كما فعلوا، ونقدم لأنفسنا قانوناً أكثر سبقاً مما ارتضوه.
نحن ندرب رجال شرطتهم في الموقر ليقوموا بحماية منجزهم الديمقراطي، ونحن نعالج مرضاهم بما توفر لدينا من تقدم طبي، وسبق في كثير من المجالات.
إلا أننا نتأخر -بسبب كيد فاسد- عنهم، وعن غيرهم من الذين سبقونا في الديمقراطية بمسافات ليست قليلة، وهذا التأخر للأسف لم يكن بداعي ظروف موضوعية، وإنما بسبب إرادة قاهرة يديرها الفاسدون والمستبدون.
صرخنا في السابق، وناشدنا صاحب الحكم في البلد أنْ وَلّي وجهك شطر ملك المغرب الذكي الذي اختزل وجع الرأس والاحتقان؛ بإجراء تعديلات دستورية جوهرية، جعلت من الاحتقان صفراً في لحظة رفع الأسعار هناك في الدار البيضاء.
دعونا نكون صرحاء جدا، فالأزمة اليوم وطنية شاملة يعاني منها الجميع معارضة وموالاة، والحكم في بلدنا فاقد للهيبة أكثر في مناطق دعمه التاريخية، أما الاحتقان فقد تجاوز أنوف الأردنيين إلى مرحلة مجهولة الهوية.
من هنا نقول: كل الاحترام لليبيين، فهم يستحقون خلع كل القبعات؛ تقديرا لتجربتهم في الخيارات القانونية التي وقعوا عليها لانتخاباتهم، وكل الأسف على دوائر الحكم في الأردن التي تسير بنا إلى الحائط الذي لم يخصخص بعد!
(السبيل)