من الذي يؤخر الإصلاح في الأردن
يلعب النظام السياسي وقيادته على وجه التحديد دورا بارزا في دفع جهود الإصلاح السياسي أو إعاقتها خصوصا وأن القيادة تمتلك صلاحيات واسعة وتضع يدها على المواقع الرئيسية في السلطات السياسية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. والقيادة السياسية يمكنها أن تكون موجها ومحركا رئيسيا للإصلاح من خلال توجيهه ودعمه ليتجاوب مع تطلعات الناس وطلباتهم وحقهم في المشاركة في إدارة وحكم أنفسهم . وقد أكد عدد كبير من الباحثين والعلماء أمثال جبرائيل ألموند، وسدني فيربا، وليونارد بايندر، وجاكوربيه على أن قدرة النظام السياسي على الاستمرار تعتمد إلى حد كبير على مدى قدرته على التجاوب مع مطالب الشعب وتطلعاته سواء كانت مطالب معيشية أو سياسية.
والسؤال الذي يبرز هنا هل تنسجم تجارب دول الربيع العربي مع ما أشار إليه العلماء من أن قدرة النظام السياسي على الاستمرار تعتمد على مدى تجاوب القيادة السياسية مع مطالب الناس ؟ الإجابة على هذا السؤال هي بالإيجاب فتجارب الربيع العربي تشير إلى أن الأنظمة السياسية ورغبتها بالإصلاح ومدى استعدادها للتضحية بالهيمنة والقبضة الأمنية والاستحواذ على معظم السلطات في الدولة يلعب دورا بارزا في تحقيق الإصلاح والتنمية السياسية أو أحيانا في تفكك النظام السياسي نفسه ودخول الدولة في حالات الفوضى والتمرد والصراع الأهلي . ففي المملكة المغربية تم التجاوب مع مطالب الشعب وأدخلت التعديلات الدستورية التي تم الحوار بشأنها والتوافق عليها وأجريت الانتخابات التشريعية وفقها وفاز الإسلاميون بقيادة حزب العدالة والتنمية وتم تشكيل الحكومة وكل ذلك تم خلال أربعة شهور وطوي الملف واستتبت الأمور . أما في كل من تونس ومصر فقد انهارت أنظمتها السياسية وتم الإطاحة بقيادات البلدين نتيجة لعدم التجاوب المبكر مع المطالب الشعبية ويبدوا أن الأمر سيتكرر في سوريا حيث أن النظام وقيادته كلها الآن في مهب الريح وما هو إلا الوقت وستنتصر إرادة الشعب.أما اليمن فإن مماطلة القيادة بالإصلاحات السياسية والالتفاف عليها وعلى الاتفاقات المعقودة بشأنها أدت إلى تطويل الفترة الزمنية التي استغرقها الإصلاح وزاد من كلفته الباهظة وأدى بالنهاية إلى تغيير القيادة مع الإبقاء على مقومات النظام السياسي والذي يبدوا رغم الهزات الكثيرة التي تعرض لها أنه ما زال متماسكا.
ماذا عن التجربة الأردنية في الإصلاح ؟مرت على الأردن أكثر من خمسة عشر شهرا من المخاضات والمطالبات والمسيرات المطالبة بالإصلاح السياسي وأظهرت مواقف القيادة السياسية الممثلة بالملك تأكيدا على دعمها للإصلاح السياسي الذي كانت تود أن تشرع به قبل الربيع العربي وأنها كانت تنتظر الوقت المناسب فما الذي كان يمنعها من الإصلاح منذ عشرة سنوات؟ وهل الإصلاح يحتاج إلى وقت مناسب؟ ولماذا ما زال كثير من الأردنيين غير راضين عن جهود الإصلاح ومما تحقق منه لا بل فإن كثير من الأطراف السياسية عبرت عن إحباطها من تلكؤ النظام وتباطئه في إجراء الإصلاحات المطلوبة والاستعاضة عنها بإصلاحات شكلية تجميلية لا تنعكس إيجابا على واقع الحياة السياسية ولا تغير صورة المشهد السياسي . التعديلات الدستورية أجريت بأيدي موظفين سابقين أو حاليين ممن يشهد لهم موالاتهم التامة للنظام وحرصهم على استمرار التركيبة السياسية كما هي ولم تشمل اللجنة المكلفة بتعديل الدستور أي من ممثلي القوى السياسية المعارضة أو الممثلة لتركيبة المجتمع السياسية.أما قانون الانتخابات فقد قدمت الحكومة السابقة مشروع قانون يتيح للناخب صوتين على مستوى الدائرة وصوت للقائمة الوطنية وعلى الرغم من المقاومة والنقد لهذا المشروع فقد تراجعت حكومة الطراونة عنه لتقدم ما هو أسوأ وهو قانون الصوت الواحد مع أن الملك قال أن ذلك أصبح خلفنا وقد مثل ذلك انتكاسة وردة كبيره للإصلاح السياسي في المملكة وأثار شكوكا كبيره حول مصداقية النظام وجدية الملك في تحقيق الإصلاح.
يتساءل بعض الأردنيون يا ترى من يؤخر الإصلاح هل هو الملك أم المؤسسات أم النخب السياسية. والحقيقة أن هذه الأطراف الثلاث تلعب دورا بارزا في إبطاء الإصلاح السياسي المنشود ولكل منها أسبابه ومبرراته ومصالحه وقد لا يكون الشعب دوما من ضمنها .فالملك يريد استقرار الأمور وعودة الهدوء دون تغيير جذري في بنية الحياة السياسية ويرغب في الإبقاء على السلطات الهائلة بيديه مما يمكنه من الاستمرار في التدخل بتفاصيل إدارة شؤون البلاد والتي هي من صلب عمل الحكومة في حين أن الملك ذاته مصونة بحكم الدستور فكيف نخضعه للمسائلة وهو يتمتع بحماية دستورية في الوقت الذي يصدر أوامره للحكومة في التصرف في تفاصيل كثير متعلقة بالشؤون الداخلية والخارجية؟
أما المؤسسات ودورها في إعاقة وإبطاء الإصلاح فهو معروف ولا يحتاج إلى شروحات كثيرة فهذه المؤسسات ابتداءا بالمخابرات العامة والأجهزة الأمنية والديوان الملكي ورئاسة الحكومة ومجلس النواب تعيق الإصلاح وقد رأينا بأم أعيننا كيف صوت مجلس النواب بواقع 57 صوتا لصالح الصوت الواحد وكيف كان موقف رئيس الوزراء داعما للصوت الواحد ولم يبدي أي دفاع عن مشروع الحكومة السابق الذي أتاح صوتين للناخب في الدائرة الواحدة، ناهيك عن مواقف متواطئة من بعض أعضاء مجلس النواب من شبهات الفساد التي لاحقت مسئولين رئيسين في الحكومات المتلاحقة.
أما النخب السياسية ودورها في إعاقة الإصلاح السياسي فهو مألوف حيث أن هذه النخب تدافع عن مصالحها وامتيازاتها ولا تريد إصلاحا يعرض هذه المصالح للخطر فهذه النخب تقوم بكل ما في وسعها للتأثير على صانع القرار عبر استشارات ودراسات ومقترحات تعمل على الإبقاء على الوضع الراهن .
والحقيقية أنه على الرغم من الأدوار المهمة التي تلعبها المؤسسات والنخب في تأخير الإصلاح السياسي فإن المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق الملك وهو القيادة السياسية العليا في الدولة وهو من يوجه الدفة، ومن يقود الجيش والقوى الأمنية ، وهو رأس السلطات الثلاث. الملك تتبعه الحكومة ، في غياب الولاية العامة التي منحها الدستور لها ، وتتبعه المخابرات والأجهزة الأمنية وهو من يضع السياسية الخارجية وهو من يسمع هموم الناس ومطالب الشعب. لماذا لا يرغب الملك مثلا في دمج جبهة العمل الإسلامي والمعارضة الوطنية في جهود الإصلاح؟لماذا تم استثناء أطياف كثيرة من المعارضة من لجنة تعديل الدستور؟لماذا تم التراجع عن التزامات النظام والملك بخصوص دفن الصوت الواحد؟لماذا يتم تكليف شخصية غير إصلاحية على الإطلاق وغير سياسية بالمعنى الدقيق للكلمة بمهمة تحقيق الإصلاح في هذا الظرف الدقيق الذي يمر فيه بلدنا؟ وهل يمكن لرئيس حكومتنا أو مدير دائرة المخابرات أن يقوما بالتفاوض مع أطراف سياسية دون موافقة وتوجيه من الملك؟وما هو الخط الأحمر الذي يتحدث عنه مدير دائرة المخابرات عندما يقدم دراسة تفيد بأن الإخوان المسلمين إذا ما تم اعتماد صوتين أو أكثر للناخب يمكن أن يحصلوا على عدد مقاعد في مجلس النواب تؤهلهم لتشكيل حكومة؟
الملك هو القوة الرئيسية والمحرك الرئيسي للإصلاح السياسي إذا أراد أو رغب فعلا، وأن ما نسمعه من تصريحات تبقى نظرية ولا يلمس الناس لها تطبيقا على أرض الواقع . المجتمع الأردني يعرف الحقائق ويعرف أن مربط الفرس وقطب الرحى هو عند الملك وأنه إذا أراد الإصلاح فسيركض مدراء المخابرات والأجهزة الأمنية ورئيس الوزراء والمسئولين مطبلين ومزمرين للإصلاح ومروجين له.الملك يبقى هو القوة التي يمكن أن تباشر إصلاحا حقيقيا وعلى الطريقة المغربية التي لا تستغرق أكثر من أربعة شهور. كثير من الأردنيون عازمون على إصلاح دستورهم وتعديل المواد 34،35،36 من هذا الدستور حيث أن هذه المواد هي التي يمكن أن يترتب عليها إصلاحا وتغييرا حقيقيا في الحياة السياسية. الملك يستطيع أن يقصر مشوار الإصلاح ويختصر مدته ويقلل من كلفته ويعظم من نتائجه ومخرجاته مما ينعكس بالضرورة على استقرار النظام السياسي وهدوء الوطن واستتباب الأمن ناهيك عن المحافظة على رصيد الأسرة المالكة وزيادته لدى الأردنيين.