مملكة الفراشة ..... والاجنحة المحترقة
د. محمود عواد الدباس
جو 24 : في حزيران من العام 2013م ، كنت اشترى العدد الاخير من مجلة (دبي الثقافية )، مرفقة برواية توزع مجانا معها ، كان اسم الرواية (مملكة الفراشة )، وكاتبها (واسيني الأعرج ) . صدقا استوقفني الأسم كثيرا ، فحسبت انها تشكل غمزا بالانظمة الملكيّة ، خاصة وأنني مواطن في احدى دولها ؟. فبدأت اقرأ الرواية، لأكتشف أنّ المملكة المقصودة ، هي المملكة الزرقاء (الفيسبوك)، وأنه يقصد بالفراشات ذات الأجنحة المحترقة ، اؤلئك المشتركون في هذه المملكة ، ممن لهم حســابات شخصيّة على تلك الشبكة العنكبوتية ، اؤلئك الذين يفرون باوهامهم واحلامهم من ضيق الأرض نحو نيران العالم الافتراضي ، فتزداد خيبتهم وتحرق اجنحتهم ، فيتوقفون عن الطيران ؟.
اعجبتني الرواية ، ليس فقط لانها تتضمن عرضا لقصة حب أو اكثر كان مصيرها الفشل ، وانما لانها تتضمن توثيقا للحرب الاهلية في الجزائر في العقد الاخير من القرن الماضي ، وبعدها للحرب الصامتة ، فقد برع الكاتب في توصيف ثنائية اصابت المجتمع العربي بالهلاك ، و هي ثنائية الاستبداد الوطني بخلفيته العسكرية والامنية من جهة، والتطرف الديني من جهة اخرى . حينما تقرأ مضمون الرواية، تفهم اكثرواكثر ما يجرى الان ، من ناحية طريقة التفكير لكلا الطرفين المتنازعين ، الدولة الامنية و المعارضة الاسلامية المتطرفة .
تعرض الرواية لتجربة المجتمع الجزائري ، التي اكلت (الحرب الأهلية )، اخضره ويابسه ، حينما استيقظت كل الخصوصيات الدينية التي اختف لقرون ، وجاء الدين وجاءت الايدلوجيا لتزين الموت وتغلفه بكل ما يجعله مغريا . عندما وضعت (الحرب الأهلية) اوزارها ، كانت الحصيلة ، عشر السكان ، أي اكثر من( 200 ) ألف انسان ، الجزء الأكبر منهم ، لم تكن هذه حربه ، لم يكن هو من اشعلها ، و لكن كان عليه ، اخمادها بجسده و لحمه ، رافق تلك الحرب الكثير الكثير من الاعمال الأرهابية ، وكان ابرزها ،السيارات المفخخة التي استهدفت وسائل الحياة المختلفة . بعد توقف (الحرب الأهلية) خرج من اعماقها حرب اخرى ، هي (الحرب الصامتة) ،أو حرب الانتقامات السرية ، والتي لم يعرف كم عدد الذين تم اغتيالهم خلالها ، كان هؤلاء يموتون بالتقسيط ، و كان ابرزهم ، من قتل لانه بات يعرف اكثر من الحد المسموح به ، ذلك أن القتله لا يتسامحون نهائيا مع من يضاقهم أو يخالفهم الرأي في مشاريعهم القاتلة والحارقة .
في ذات السياق ، تعرض الرواية لجذور تلك الصراعات ،انها اشكالية الهويّة ، هنا وطنية مدنية وهنالك دينية اسلامية ، تجسيدا لذلك تم استخدام اللغة بطريقة سهلة لكنها خطيرة ، فالدولة تسمى الخارجيين عليها بــ(الارهاربيين) ، وهؤلاء بدورهم يسمون الدولة بـ(الطاغوت )، كما وصل الأمر الى تغييرالاسماء الشخصية ، وقد ابرز الكاتب ذلك ، بنصوص تشير الى أن عمل دائرة النفوس ، يتمثل باطلاق اسم على كل مولود جديد ، و تطرح الرواية ، فكرة اعادة التسمية ، بحيث يعطي كل شخص اسما يتناسب مع افعاله ، تطبيقا لذلك غيرت احدى بطلات الرواية ، اسمها ، ثم غيرت الاسماء التي كانت تنادي بها على اشخاص معيين ، كي تناديهم باسماء جديدة تتناسب مع ميولاتهم وتصرفاتهم . مع ذلك كله ، تنتهي الرواية ، بعودة كاتب كبير مغترب ، هرب وقت (الحرب الأهلية) الى اسبانيا ، و كان خاتفا من العودة وقت (الحرب الصامتة) ، لكنه عاد ، ليتحول الى ايقونة وطنية جميلة ،عندما تمكن من عرض مسرحيته (لعنة غرناطة ) التي تبارك مبادرات السلام في البلاد ، من اجل نسيان سنوات الرماد ، والجرائم التي ارتكبت ضد الانسانية .
ختاما ،تساعد تلك الرواية القارىء العربي ، على فهم ما يجري من صراعات الهوية القاتلة ، والدائرة حاليا بين الوطنيين والاسلاميين في الاقطار العربية ، وبين الاسلاميين انفسهم ، حينما تعرض تجربة مجتمع عاني واكتوى من تلك التجربة ، هو المجتمع الجزائري ، لتتأكد الحقيقة من جديد ، أنّ ازمتنا في المجتمع العربي ، هي ازمة هويّة .
اعجبتني الرواية ، ليس فقط لانها تتضمن عرضا لقصة حب أو اكثر كان مصيرها الفشل ، وانما لانها تتضمن توثيقا للحرب الاهلية في الجزائر في العقد الاخير من القرن الماضي ، وبعدها للحرب الصامتة ، فقد برع الكاتب في توصيف ثنائية اصابت المجتمع العربي بالهلاك ، و هي ثنائية الاستبداد الوطني بخلفيته العسكرية والامنية من جهة، والتطرف الديني من جهة اخرى . حينما تقرأ مضمون الرواية، تفهم اكثرواكثر ما يجرى الان ، من ناحية طريقة التفكير لكلا الطرفين المتنازعين ، الدولة الامنية و المعارضة الاسلامية المتطرفة .
تعرض الرواية لتجربة المجتمع الجزائري ، التي اكلت (الحرب الأهلية )، اخضره ويابسه ، حينما استيقظت كل الخصوصيات الدينية التي اختف لقرون ، وجاء الدين وجاءت الايدلوجيا لتزين الموت وتغلفه بكل ما يجعله مغريا . عندما وضعت (الحرب الأهلية) اوزارها ، كانت الحصيلة ، عشر السكان ، أي اكثر من( 200 ) ألف انسان ، الجزء الأكبر منهم ، لم تكن هذه حربه ، لم يكن هو من اشعلها ، و لكن كان عليه ، اخمادها بجسده و لحمه ، رافق تلك الحرب الكثير الكثير من الاعمال الأرهابية ، وكان ابرزها ،السيارات المفخخة التي استهدفت وسائل الحياة المختلفة . بعد توقف (الحرب الأهلية) خرج من اعماقها حرب اخرى ، هي (الحرب الصامتة) ،أو حرب الانتقامات السرية ، والتي لم يعرف كم عدد الذين تم اغتيالهم خلالها ، كان هؤلاء يموتون بالتقسيط ، و كان ابرزهم ، من قتل لانه بات يعرف اكثر من الحد المسموح به ، ذلك أن القتله لا يتسامحون نهائيا مع من يضاقهم أو يخالفهم الرأي في مشاريعهم القاتلة والحارقة .
في ذات السياق ، تعرض الرواية لجذور تلك الصراعات ،انها اشكالية الهويّة ، هنا وطنية مدنية وهنالك دينية اسلامية ، تجسيدا لذلك تم استخدام اللغة بطريقة سهلة لكنها خطيرة ، فالدولة تسمى الخارجيين عليها بــ(الارهاربيين) ، وهؤلاء بدورهم يسمون الدولة بـ(الطاغوت )، كما وصل الأمر الى تغييرالاسماء الشخصية ، وقد ابرز الكاتب ذلك ، بنصوص تشير الى أن عمل دائرة النفوس ، يتمثل باطلاق اسم على كل مولود جديد ، و تطرح الرواية ، فكرة اعادة التسمية ، بحيث يعطي كل شخص اسما يتناسب مع افعاله ، تطبيقا لذلك غيرت احدى بطلات الرواية ، اسمها ، ثم غيرت الاسماء التي كانت تنادي بها على اشخاص معيين ، كي تناديهم باسماء جديدة تتناسب مع ميولاتهم وتصرفاتهم . مع ذلك كله ، تنتهي الرواية ، بعودة كاتب كبير مغترب ، هرب وقت (الحرب الأهلية) الى اسبانيا ، و كان خاتفا من العودة وقت (الحرب الصامتة) ، لكنه عاد ، ليتحول الى ايقونة وطنية جميلة ،عندما تمكن من عرض مسرحيته (لعنة غرناطة ) التي تبارك مبادرات السلام في البلاد ، من اجل نسيان سنوات الرماد ، والجرائم التي ارتكبت ضد الانسانية .
ختاما ،تساعد تلك الرواية القارىء العربي ، على فهم ما يجري من صراعات الهوية القاتلة ، والدائرة حاليا بين الوطنيين والاسلاميين في الاقطار العربية ، وبين الاسلاميين انفسهم ، حينما تعرض تجربة مجتمع عاني واكتوى من تلك التجربة ، هو المجتمع الجزائري ، لتتأكد الحقيقة من جديد ، أنّ ازمتنا في المجتمع العربي ، هي ازمة هويّة .