حقوق الانسان وجامعة الدول العربية
لطالما شكلت أوضاع جامعة الدول العربية جدلاً واسعاً بين كافة الاوساط، إذ كانت المواقف التي تتبناها والنهج المتبع في عملها وإدراة الازمات يكشف بأنها تسير في سياستها في التعامل مع قضايا المنطقة دون رؤيا واضحة مبنية على أسس وغايات معلنة تسعى لتحقيقها، وتشكلت قناعة لدى الجميع بأن الجامعة عجزت عن تقديم أي شيء للمنطقة.
مرد هذا كله غموض أهداف وغايات الجامعة وأليات عملها إذ حدد ميثاق الجامعة الغرض من إنشائها المتمثل في توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لإستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة فى شؤون البلاد العربية ومصالحها وتعاون الدول المشتركة فيها تعاوناً وثيقاً بحسب نظم كل دولة منها وأحوالها فى الشؤون الاقتصادية والمالية، ويدخل فى ذلك التبادل التجارى والجمارك والعملة وأمور الزراعة والصناعة وشؤون المواصلات والسكك الحديدية والطرق والطيران والملاحة والبرق والبريد وشؤون الثقافة والجنسية والجوازات والتأشيرات وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين والشؤون الاجتماعية والصحية.
والاكثر من ذلك أن الميثاق جاء خالياً من أي نص يتحدث أو يشير من قريب أو بعيد الى حماية حقوق الانسان كأحد الاهداف والغايات التي يجب أن تسعى لها أي منظمة من هذا القبيل، وأن المتتبع لعمل المنظمات الاقليمة وأدواتها في العمل يجد دون أي لبس إفتقار المنطقة العربية لأي أداةٍ إقليمية فاعلة من شأنها السعي لحماية وتعزيز حقوق الانسان على غرار المنطقة الافريقية التي يتوافر فيها محكمة افريقية لحقوق الانسان وفعالية لجنة حقوق الانسان والمنطقة الامريكية التي تم إنشاء محكمة لحقوق الانسان مع عمل لجنة حقوق الانسان، والاوربية والتي شكلت نقله نوعية في حماية وتعزيز حقوق الانسان في المنطقة الاوربية وغدت تشكل مرجعاً دولياً في إجتهادها تسير على هديه اللجان الاممية، هذا مرده الى أن الرغبة في العمل الجماعي تحتاج لتقديم بعض التنازلات - بالمفهوم المجازي - لتغليب الصالح العام على الخاص، طالما إرتضينا العمل الجماعي المشترك منذ البدء وتشكل الاهداف والغايات العوامل محل إجماع، والمبنية بشكل واضح وصريح على إحترام حقوق الانسان أساسها الكرامه والعدالة والمساواه والحرية.
أي منظمة لاتسعى الى تحقيق مثل هذه الاهداف والغايات أو لم ترد من ضمن أهدافها وغاياتها لاتستطيع بأي شكل من الاشكال أن تقدم أو تضيف شيء لحقوق الانسان وأن بعض المبادرات القائمه على هذا الاساس ستؤدي الى إختلاف كبير في قدرتها على الاستمرار ونقل الخلاف الى توترات في العلاقات الثنائيه بين الدول للأعتقاد بأنها مدفوعة أو تحمل أجندة من هذه الدوله أو تلك.
أما بالنسبة للجامعة العربية فأن توثيق الصلات والتعاون في الشؤون الزراعية والسكك الحديدية والبرق والملاحة والطيران والجوازت والتأشيرات هي مبتغى الجامعة الذي تسعى لتحقيقة ويساور الجميع الشك في تحقيق هذه الاهداف أيضاً، الغريب في الموضوع أن الدول العربية تعتقد بتوافر جوامع مشتركة للعمل العربي إما لأسباب دينية أو عرقية أو جغرافية ولكن عند الشروع في العمل الجماعي أو محاولة صياغة مبادرة جماعية لا تنفك تؤكد على عدم المساس بالسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وإعتبار ذلك مستثنى من أي عمل جماعي كل هذه المؤشرات وغيرها تؤكد على عدم قدرة الجامعة بأدواتها الحالية أن تقدم شيء، في الوقت نفسة تتجاهل الدول بأن مفهوم السيادة بدأ يشهد إنكماشاً كمياً ونوعياً تزامن مع ظهور مفهوم جديد هو المواطنة العالمية، والتي تشكل محل إجماع من الكافة، إذ كانت تدخل مواضيع ضمن مفهوم السيادة أصبحت اليوم خارجه عنه، ويجب على الدول أن تعيد تكييف مواقفها بما بتلائم مع متطلبات العصر، إن تحليل مواثيق جامعة الدول العربية وأليات عملها لن تلبث أن تتحلل كأنها موميأت نزعت أربطتها وتتطاير في الهواء.
إن البحث في تطوير أليات جامعة الدول العربيه يستدعي مراجعة علمية موضوعيه بداءً من مراجعة ميثاق الجامعة، والميثاق العربي لحقوق الانسان، وتفعيل وإنشاء اليات حقيقية مستقلة وموضوعية ترقى لمستوى روح العمل الجماعي وتسعى فعلاً لحماية وتعزيز حقوق الانسان كل ذلك يدعونا للقول بأن الجامعة تحتاج فعلاً لإصلاح حقيقي وربما ربيع عربي من نوع أخر يؤدي الى خلق أليات عمل جديده ترقى لمستوى الطموح العام باستوحاء افضل التجارب الدولية اذ بمجرد ان هبت رياح الربيع العربي ثبت للجميع بأن أي مشروع أو عمل يجب أن يجعل نصب عينية وهدفه الرئيسي هو حماية وتعزيز حقوق الانسان.