jo24_banner
jo24_banner

نحو إطار تشريعي لتنظيم العمل على تنفيذ التزامات المعاهدات الدولية

المحامي صدام ابو عزام
جو 24 :
كتب المحامي صدام ابو عزام - 

الإرتباط بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية غدا جزءا أصيلا من مسيرة العمل والتطور المؤسسي لما تشكله هذه المعاهدات من إضافات على كافة الصعد وللأثر الذي تتركه على قدرة الدولة بمكوناتها المؤسسية على التطور ومواكبة مستجدات العصر، ومن المعلوم أن المعاهدات الدولية لا تقتصر مرجعياتها على جهة دون غيرها أو مجال دون غيره فهي تمس الجانب الحقوقي والاقتصادي والاجتماعي والمالي والثقافي والمؤسسي والاداري والنقل وغيرها من المجالات ذات العلاقة.

كما أن هذه المعاهدات، إما أن تكون ذات طابع دولي موجهة للعالم بأسرة أو ذات طابع اقليمي تختص بنطاق إقليمي بعينه أو ثنائية لتنظيم شأن بين أشخاص القانون الدولي، والإنضمام والتدصيق على تلك المعاهدات لا يعتبر من قبيل الترف الفكري أو الزائد المؤسسي وإنما يعبر عن رغبة دولية أو اقليمية في تحقيق تقدم في مجال أو تلافي تحديات أو انتهاكاك في مجال أخر وبالنتيجة هي شكل من أشكال التعاون الدولي والاقليمي الذي لا بد منه لتحقيق مستوى من مستويات التكامل الانساني من خلال العمل المشترك.

وتتضمن كل إتفاقية آلية أو اداة لضمان حسن التنفيذ والتطبيق على الصعيد الوطني، فالنفاذ على المستوى الدولي محكوم بالتدابير التي تتضمنها تلك المعاهدات وتختلف بالضرورة من معاهدة لأخرى إذ قد تكون بعد إستكمال عدد معين من التصديقات أو مباشرة أو غير ذلك، والدول تبدي رغبتها في الإنضمام أو التصديق على تلك المعاهدات وفقاً لأولوياتها والمرجع في تحديد ذلك يتم تنظيمه وطنياً ويختلف من دولة الى أخرى مقرون بالصلاحيات الدستورية والمؤسسات ذات العلاقة.

إذن، بعد إستكمال عملية التصديق أو الانضمام أو التوقيع للمعاهدة فإنها تصبح ملزمة لأطرافها بما تضمنته وتبدأ آلية المحددة في الاتفاقية بالعمل بمواجهة الدول المصادقة عليها لضمان حسن التنفيذ والتطبيق، وهذا يتطلب العديد من الإجراءات والأدوار من تقديم تقارير ومعلومات وإحصاءات والإجابة عن إسفسارات والخضوع لتقييمات والمشاركة في نقاش وتقديم تقارير أو مؤتمر الدول الأطراف وغيرها من إجراءات، وفي نتيجة العملية المحددة في الإتفاقية يتبن مدى التزام الدولة بتنفيذ مضمون الإتفاقية من عدمه، أي بمعنى تقييم لحالة الدولة بشكل عام حول مدى قدرتها على النهوض بالالتزامات التي تضمنتها الاتفاقية.

تشير عمليات الرصد والمتابعة على تفاوت كبير في إستجابات الدول وتنظيمها لهذه العملية على الصعيد الداخلي إذ تتداخل العديد من المؤسسات وتتطلب عملية النهوض بتنفيذ مضمون الاتفاقية عملاً تشاركياً واضح المعالم بناء على مرجعية تنظيمه ملزمة. إذ أغلب الدول التي حققت إنجازات وكانت في المقدمة في تنفيذ التزاماتها كانت قد إتخذت إجراءات تشريعية تنظيمية لكل ما يتطلبه العمل على الاتفاقيات على الصعيد الدولي فكانت تلك الإجراءات إما تشريعية من خلال قانون أو تشريع فرعي أو مؤسسية من خلال تخصيص مؤسسة تسهر على متابعة هذه الاجراءات، والبعض الأخر إتخذ تدابير مزدوجة لتحقيق كفاءة أكثر في هذا المجال.

الأردن، كغيره من دول العالم إنخرط في عملية التصديق على المعاهدات الدولية والقاليمية مبكراً في كافة المجالات، الا أن الواقع العملي يشير الى أن عملية التنظيم والمأسسة لم تواكب هذه الإجراءات على الصعيد الدول فكان التصديق على المعاهدات الدولية يتم بشكل كبير وربما في بعض الحالات غير مدروس، الا أن المتابعة والتنفيذ لم تلق ذات العناية على الصعيد الداخلي، بل أن الانخراط في النهج والأليات التي تحددها تلك الاتفاقيات كان متواضعاً من حيث عمليات جمع المعلومات وكتابة التقارير ومناقشتها وإبراز الجهود الوطنية على المستوى الدولي والاستفادة من تلك التجارب وتشكيل الوفود المشاركة والعمل على تنفيذ الملاحظات والتوصيات الختامية وغيرها من أمور تنظيمية وموضوعية.

وقبل اسابيع تم نشر مسودة قانون حول تحديد أحكام وشروط وإجراءات تبادل المعلومات الإفصاح في التقارير المتبادلة تنفيذاً للاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة، وبدا واضحاً أن مضمون المشروع يشير الى عمليات تبادل المعلومات على الصعيد المالي فقط من خلال البنك المركزي ووزير المالية، الا أن الفرصة مواتيه لتطوير هذا النهج التشريعي ليصبح شاملا لكافة الاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة من خلال إعتبارة الالية الوطنية التي من خلالها يتم توحيد الاجراءات المعاييرة للعمل على تنفيذ مضمون الاتفاقيات وتحديد كافة المراحل التي تمر بها الاتفاقية منذ التفكير بالتصديق عليها، إذ من شأن وجود مثل هذا التشريع الشمولي أن يجعل الكفاءة والاستجابة على المستوى الوطني عالية جداً ويحقق مضمون الالتزامات بالشكل العلمي والمؤسسي وضمن الأوقات الزمنية المحددة.

وتكمن الملامح العامة لهذا التنظيم التشريعي في تحديد الغجراءات والخطوات خلال مرحلة ما قبل التصديق والإنضمام وما يتضمنها من آليات المشاورة والعرض والنقاش وتحديد مدى إنسجامها مع الأولويات الوطنية وما هي التحفظات -إن وجدت- المقترحة وتحديد الخيارات والبدائل المتاحة، وإناطة هذه المرحلة بجهة مؤسسية ضمن ضوابط وإجراءات عمل واضحة وبالشراكة مع الجهة صاحبة الاختصاص، وفي المرحلة الثانية والتي تتضمن إستكمال إجراءات التصديق على الصعيد الوطني وإستكمال إجراءات التصديق على الصعيد الداخلي وما تتطلبه من إجراءاءت وفي العادة تكون ذات طابع دستوري وفقاً لمسار العملية التشريعية، والمرحلة الثالثة تكمن في البدء في التنفيذ على المستوى الوطني من خلال نشر الاتفاقية وتعميمها ووضع الخارطة الزمنية الخاصة بتنفيذ الالتزامات والجهات ذات العلاقة وآليات العمل وجمع المعلومات وكل ما يتعلق بتلك المرحلة من تفاصيل وخطوات، والمرحلة التي تليها تكمن في عملية الإنخراط على المستوى الدولي في متابعة نتائج العمل على المستوى الوطني وتقديم التقارير أو الاستعراض أو التقييم أو المعلومات حسب كل اتفاقية، ويليها تحديد إجراءات المتابعة والجهات المكلفة في المتابعة والرصد والتقييم. كل تلك الاجراءات لا يمكن أن يتم بلورتها وفق أفضل الصور الا من خلال إطار تشريعي ناظم لها ويعتبر النهوض بها جزء من المهام والاختصاصات الوظيفية للقائمين عليها.

ولعل إستحداث منصب المنسق الحكومي ووحدة حقوق الانسان في رئاسة الوزراء البداية التي يمكن البناء عليها في هذا المجال، من خلال إعتبارها الجهة المرجعية والأمانة العامة للنهوض بهذه الأدوار، الا أن ذلك يتطلب إطاراً تشريعياً يحقق المبتغى والتكامل بين على المستوى الدولي والوطني، ولا شك، في أن المجتمع المدني جزء أصيل من هذه العملية اذ تشير علمليات تحليل التجارب الفضلى الى أن مؤسسات المجتمع المدني شريك في كافة المراحل، ولعل هذه الالية المنشودة التي تشكل إستجابة وإستدامة يمكن البناء عليها والنهوض بها.
 
تابعو الأردن 24 على google news