jo24_banner
jo24_banner

ضوابط عامة لتطوير النموذج الوطني لأوجه دعم الأحزاب السياسية

المحامي صدام ابو عزام
جو 24 :


بعيداً عن المحمول الدلالي لمصطلح الدعم المالي الذي يقدم للأحزاب السياسية ومضمونه إلا أن مسألة تقديم الدعم المالي أضحت تشكل شبه إجماع لدى غالبية النظم السياسية والقانونية التي تسعى الى تمكين الأحزاب السياسية للقدرة على النهوض بأهدافها وغاياتها والوصول الى السلطة وفقاً لطبيعة النظام السياسي في كل دولة.

الأردن، كغيره من دول العالم أخذ بهذا التوجه وتم تنظيمه من خلال قانون الأحزاب السياسية بإضفاء القاعدة القانونية الشارعة للتمويل السياسي والإحالة الى نظام خاص لهذه الغاية منذ سريان قانون الأحزاب السياسية لعام 2007. وتم إقرار النظام الخاص آنذاك للمساهمة في تمويل الأحزاب السياسية وخضع للتطوير والتعديل المستمر لضمان مساهمة الدعم المالي في دعم الأحزاب السياسية مالياً لينعكس على القدرات المؤسسية والفكرية لها، الا أن الرصد الحقيقي والمتعمق لأنظمة الدعم المالي ومعايير الدعم التي تم تبنيها منذ ذلك العام أدى الى ظواهر حزبية هجينة إذ تزايد عدد الأحزاب كمياً على حساب التأثير النوعي لتلك الأحزاب الأمر الذي أدى الى زيادة المشهد الحزبي الوطني ضبابية أكثر من قبل، الأمر الذي يؤكد الى أن تقديم الدعم على أسس الدعم الثابت المقدم لدعم المقار والفروع وغيرها من معايير لم تجدي نفعاً في تحقيق الغاية المنشودة وبالتالي لم تؤت أكلها ولم تنجح في تحقيق الغايات والأسباب الموجبة من هذا النظام، هذا السرد التاريخي يأتي للخلوص الى نتيجة مفادها عدم الأخذ بهذه المعايير والأسس وإعادة تدويرها بأي صيغة كانت إذ لا يمكن البته أن يتضمن أي تعديل لمشروع النظام أياً من تلك المعايير لثبوت فشلها وهذا كذلك ما تؤيده الممارسات والتجارب الدولية التي أخذت بمثل هذه المعايير إذ ما لبثت التراجع عنها.

ولا بد من التذكير في هذا الصدد الى أن أشكال الدعم التي تقدم للأحزاب السياسية تقسم الى قسمين الأول الدعم المالي المباشر، والثاني الدعم غير المباشر والمتمثل في تمكين وتقديم العديد من التسهيلات والميز للأحزاب السياسية لتسهيل مهامها وتعزيز قدرتها المؤسسية على تحقيق أهدافها منها تمكينها من الأثير العام بكافة أطيافة وفق معايير محددة تضمن العدالة والمساواة بين الأحزاب وكذلك تمكينها من الوصول الى القاعات والساحات العامة وقدرة على إستخدام المرافق العامة لتنفيذ أنشطتها بدون مقابل وعدم إتباع إجراءات إدارية معقدة، وكذلك منح الأحزاب بعض الإعفاءات من الضرائب مثل المبيعات على المواد التي تستخدمها لغاياتها أو أسعار تفضيلية للخدمات العامة مثل الماء والكهرباء وكذلك أسعار تفضيلية في المطبوعات والنشرات من المطابع التي تديرها الحكومات وغير ذلك من أشكال دعم غير مباشر يمكن أن يسهل على الأحزاب عمليات التواصل المجتمعي، والسؤال المطروح هنا، هل نحن بحاجة الى نظام شامل يجمع بين دفتيه هذه المعايير لنظام تفعيلها بالشكل السليم.

الجانب الأهم والأخطر في القدرة على ربط معايير ومؤشراً الدعم المالي في الغايات المراد تحقيقها من العملية السياسية وهذا لن يتأتى بكل سهولة اذا ما تمكنا من تشخيص الواقع السياسي والثقافي والإقتصادي وتقييم حقيقي لواقع الأحزاب السياسية والعمل السياسي برمته وربط كل ذلك بشكل النظام السياسي دستورياً وعناصره وأركانه حيث وحسب المادة(1) من الدستور فإن نظام الحكم نيابي، وعليه يجب أن تدور كافة الخطط والسياسات والتشريعات الوطنية في فلك هذه المعاير وتأتي لتدعم تشكيل عناصر هذا النظام النيابي. وهذا يتطلب بالضرورة إستشراف وتحليل عميق على المدى البعيد لنتائج أي مؤشر يمكن تبنيه في نظام المساهمة في تمويل الأحزاب السياسية.

ولا بد من التذكير الى أن الواقع العملي السياسي في الدولة الأردنية يشهد حالياً لاعبان في العملية السياسية الأول يتمثل في الأحزاب السياسية وهي الأصل في ذلك، والكتل البرلمانية وهي لاعب طارئ لتطوير العملية السياسية في عمليات إنتقالية تقودها الدول لتسريع ولبلورة العملية السياسية بشكل عام وهي مؤقته بالضرورة، وعليه لا بد من إيلاء أهمية وربط مؤشرات الدعم في قدرة الكتل البرلمانية على تشكيل أحزاب سياسية أو قدرة الأحزاب والكتل على حد سواء على الإندماج سوياً، وهذا يتطلب عمليات وإجراءات وطنية تنطلق من رؤيه مشتركة قائمة على تعزيز العملية السياسية برمتها اذ الجهود الفردية غير كافية ولن تؤدي الى نجاح أي مقاربة مهما كانت قوتها.

من جهة أخرى، يعتبر النظام الإنتخابي مؤثر حقيقي وجوهري على مؤشرات الدعم وبناء فلسفتها التشريعية ومناط العمل هنا يجب أن ينطلق من مصفوفة تشريعة متكاملة ومتوازنة لتصب في ذات الهدف إذ من غير المتصور أن يتم العمل على نظام المساهمة في دعم الأحزاب السياسية بمعزل عن قانون الأحزاب السياسية وكذلك قانون الانتخاب وكذلك النظام الداخلي لمجلس النواب، وهذا ما تم الأخذ فيه في دول أوروبا الشرقية إبان الإنتقال الى الانظمة الديمقراطية حيث تم توجيه الدعم لمجوعات العمل البرلماني والأحزاب السياسية في حال إستطاعت الإندماج سوياً أو نجحت في تشكيل أغلبية برلمانية.

وزارة الشرون السياسة والبرلمانية تبذل جهوداً مضنية في إدارة الحوار الوطني حول نظام المساهمة في تمويل الأحزاب السياسية وتستمتع الى كافة وجهات النظر في هذا الصدد، الا ان التحدي الأكبر يكمن في عملية إستلال المؤشرات التشريعية التي تؤدي الى تحقيق الغايات الوطنية المنشودة والتي هي محور تمكين العمل الحزبي الوطني والتي تحتاج الى نقاشات معمقة.


* الكاتب الرئيس التنفيذي لمؤسسة محامون بلا حدود
 
تابعو الأردن 24 على google news