jo24_banner
jo24_banner

ملامح تطوير النموذج الوطني للإدارة المحلية

المحامي صدام ابو عزام
جو 24 :



بعيداً عن الجدل المتزامن مع استحداث وزارة الإدارة المحلية والقائم على هواجس حول مشاريع غير وطنية، وبعيداً عن النقاش حول دستورية وعدم دستورية إنشاء الوزارة والتي ما لبثت أن تلاشت تلك الاراء الانفعالية حول مسمى الوزارة بعد حسم وهم عدم دستورية الإجراء الدستوري. الا أن الحقيقة التي لا مناص منها أن توحيد المرجعيات الإشرافية على الكيانات المؤسسية لكافة مستويات الإدارة المحلية كان إحتياجا وطنيا بإمتياز، ولعل حالة التقييم لمشروع اللامركزية والتي خلصت في جلها الى عدم تحقيق الغايات والأهداف الوطنية التي صار من أجلها هذا المشروع بعيداً عن مؤشرات ونتائج التقييم والتي تأرجحت بين الفشل وعدم إحداث الأثر الإيجابي والمراوحة بذات المكان مع زيادة في النفقات وعدم تحقيق الاسباب الوجبة لتبني هذا هذا الخيار وفقاً للأموذج الذي حصل.

بعيداً عن كل تلك المخرجات والتي غدت حقيقة لا مفر منها وأيدها الواقع، والتي شكلت بالضرورة سبباً موجباً جديداً حول تغيير وتبني شكل وأنموذج أكثر وضوحاً ويحقق الغايات التنموية المتوخاة، نستطيع القول بأن معول الهدم الأول في مشروع اللامركزية تمثل في عدم وضوح المرجعيات وإسناد عمليات الاشراف والمتابعة لوزارة الداخلية ضمن نهج مستحدث وهجين من التبعية الحائرة بين االاشراف الإداري المباشر وغير المباشر مما إنعكس على متن القانون وبنيته العامة حيث طالعتنا المادة الثالثة من القانون بمهام واسعة وفضفاضة للحاكم الإداري وتكريس صلاحيات الحكام الاداريين في القانون بطريقة يشوبها عوار منهجي وتشريعي.

تم تأكيد ذلك خلال عمليات التطبيق حيث بدى واضحاً للملاء حجم الخلاف والتحدي البارز حول قدرة وازرة الداخلية على النهوض بهذه الأدوار، والسؤال الأهم ما علاقة وزارة الداخلية بهذا النهج الإداري الجديد؟، ولعل بعض التيارات التقليدية والتي إختطفت المشروع الوطني للامركزية ولا سيما إختصاصات مجلس المحافظة كانت تنادي بصوت خافت وتمرير فكرة مفادها أن مجالس المحافظات ما هي الا نسخة مستحدثة من المجلس الأمني أو مجلس المحافظة التي كان يتم تشكيها بطريقة رخوة وهلامية من الحكام الإداريين في كل محافظة.

حيث أن إنتشار هذه الفكرة والدفع بها كانت أحد معاول الهدم في مسار هذا المشروع، وإبان تعالي الأصوات الرافضة لذلك وأمام بروز تلك التحديات من قبل اصحاب العلاقة ولا سيما أعضاء مجالس المحافظات ورؤساء البلديات والمجالس التنفيذية كان لا بد من إنتهاج أساليب للحد من تأثير تلك الاصوات التي كانت تتعالى بشكل متواتر ومستمر فكان الخيار في تشكيل لجنة وزارية وإناطة بعض المهام بوزارة الشؤون السياسية والبرلمانية كبديل مؤقت.

ولا مراء بأن غياب أو تغييب وزارة البلديات عن هذا المشهد كان له تداعياته وتأثيره إذ من غير المعقول ولا المقبول أن يتم تبني مشروع وطني كبير بمعزل عن وزارة الشؤون البلدية.

وعلى ضوء ذلك نخلص الى الحقيقة التشريعية الأولى والمتمثلة في إلغاء أي صلاحيات للحكام الاداريين أو إناطة أي أدوار لوزارة الداخلية بهذا القانون ، اذ يجب تلافي ذلك في قانون الإدارة المحلية الجديد، إذ مهام واختصاصات وزارة الداخلية بعيده كل البعد عن المهام والاختصاصات المنشودة من مؤسسات الإدارة المحلية، ومن جهة أخرى، تكمن الحقيقة التشريعية الثانية والمتمثلة في توحيد المرجعيات المؤسسية لكافة الكيانات ذات العلاقة بالإدارة المحلية حيث تم حسم هذه المسألة بإستحداث وزارة الإدارة المحلية، وهنا نفضل إستخدام مصطلح – إستحداث- لأن تبعات التنظيم الإداري والتشريعي لعمل هذه الوزارة سيختلف كلياً عن آليات العمل التي كانت تعمل بها وزارة الشؤون البلدية سابقاً، وهذا بحاجة الى تطوير الهيكل التنظيمي والإداري ومراجعة الاختصاصات والمهام للوزارة بما يتوائم مع المرحلة الجديدة.

ولا يخفى علينا أن من ضمن أهم المحاور التي يجب حسمها في هذا الصدد هي عملية البناء التشريعي للإدارة المحلية والأنموذج الوطني لها، ولعل الأفضل في هذا السياق من حيث المبدأ الدمج في قانون واحد تحت مسمى قانون الإدارة المحلية، يتم في هذا القانون تنظيم كافة الشؤون والأمور المتعلقة بالإدارة المحلية في الأردن كبيدل عن حالة الفوضى التشريعية التي رافق قانون اللامركزية والبلديات والتشريعات الفرعية المنبثقة عنها، وأدت الى تضارب في الاختصاصات وعدم وضوح آليات العمل بين كافة أجسام ومستويات الإدارة المحلية، وهذه الحقيقة التشريعية الثالثة.

ولا يقل شكل التنظيم المؤسسي لمؤسسات الإدارة المحلية عن غيره من المسائل السابق الإشارة اليها، حيث أن تبني الأنموذج الهرمي لهذه الأجسام غاية في الأهمية لضمان صيرورة وتدفقات العمل بالشكل المؤسسي السليم، وهنا لا بد من إعادة النظر في تشكيل أعلى تلك المجالس والمعبر عنه بمجلس المحافظة، من خلال التوجه بالأخذ بإسلوب الإنتخاب المباشر وغير المباشر، بحيث يتم تسمية أعضاء بحكم إنتخابهم مباشرة من المواطنين مثل رؤساء الغرف التجارية ورؤساء البلديات والهيئات المنتخبة، وذلك كبديل عن أسلوب التعيين الذي تم إنتهاجه مسبقاً في القانون الحالي، والإنتخاب المباشر من المواطنين، وهذه العملية هي الأصعب والأكثر تعقيداً، إذ الاتفاق على الشكل المؤسسي لهذا المجلس يحسم مستقبلاً العديد من الاسئلة والاستفهامات حول آليات العمل والاختصاصات بين تلك المؤسسات بكافة المستويات.

وهذا بالضرورة يتطلب فتح نقاش عميق حول مدى الحاجة الى بعض الكيانات المؤسسية مثل المجلس المحلي والتقسيم للمجالس في البلديات وإختصاصات مجلس البلدية والمجلس التنفيذي واختصاصات هذا المجلس والعلاقة العامودية مع الوزارت التابع لها أعضاء المجلس والأفقية مع الكيانات المؤسسية للإدارة المحلية الاخرى، وهذا يتطلب بذات السياق وضوح في المسؤوليات وتبعات التقصير وآليات المحاسبة، وكل ما يتطلبه العمل المؤسسي من حوكمة وشفافية وجودة وتدفق معلومات.

ولا بد من التأكيد على أن الإشارة الى الهياكل التنظيمية الداعمة لمجلس المحافظة وتدفقات العمل مع غيرها غاية في الأهمية مع ضرورة الإشارة الى تنظيم إداري للتنمية المحلية والتواصل مع جمهور المواطنين ووسائل الإعلام على المستوى المحلي والوطني وآليات تنظيم هذه العلاقات والاستماع الى وجهات نظر المواطنين من خلال زيادة مشاركتهم في صناعة القرار على المستوى المحلي وفقاً للإحتياجات الحقيقية والفعلية، ولا بد من أن يقترن ذلك بتبني تنظيم مؤسسي يضمن جودة الخدمات ومعايير تقديم تلك الخدمات وفقاً لمسؤويات إدارية واضحة تضمن سلامة تقديم الخدمات وفقاً للاولويات والخطط وبعدالة ومساواة وضمن معايير الشفافية والنزاهة.

ولا بد من التأكيد على أن وضوح الاختصاصات والمهام لكل مستوى من مستويات مؤسسات الادارة المحلية وحسم هذه المسألة غاية في الاهمية لما لها من انعكاسات على شكل الادارة المحلية برمتها، الإجابة على العديد من الاسئلة هل يستدعي الوضع الوطني مستويان من مستويات الحكم المحلي؟ وما هي طبيعة هذه المستويات؟ وحجم وحدود صلاحياتها؟ وكيفية تنظيم وإدارة العلاقة مع الجهة المشرفة؟؟.

ولا يفوتنا التذكير في هذا الصدد بضرورة إقتران هذه المشروع الوطني خطة رصد تشريعي تبنى وفق مؤشرات ومصوفة مؤشرات تشريعية واضحة تنهض بمهمة الرصد الحقيقي والفعلي لكافة التطبيقات الايجابية والسبلبية والتحديات والفجوات التي رافقت عمليات التطبيق وكيفية تلافي هذه التحديات والأثار المترتبة عليها لتشكل هذه المخرجات الأدبيات والمعلومات التي يمكن الإرتكان عليها مستقبلاً في أي عملية تطوير أو تعديل تشريعي.

كما أن عملية البناء المحكم لعلاقة وزراة اإادارة المحلية بمستويات الإدارة المحلية وما هو مستوى وحجم الإشراف والمتابعة وما هي حدود الصلاحيات التي تتساوق مع هذا النهج الوطني تلعب دوراً جوهرياً في إنجاح التجربة من عدمها، وهنا تلعب عملية الاطلاع على افضل الممارسات والتجارب الفضلى دوراً جوهرياً، حيث ان عمليات بناء القدرات وتقديم الدعم المؤسسي والفكري والتوعية والتثقيف والنصح والمشورة كلها ادوار يمكن لوزارة الادارة المحلية النهوض بها.

هذا فضلاً عن حسم مسألة حدود الصلاحيات المالية والادارية ضمن نهج وطني مبني على الحوكمة والشفافية ومكافحة الفساد تشكل عناصر قوة رئيسية لبناء الثقة بالوزارة المستحدثة وأدوارها غير التقليدية التي يمكن لعبها في هذا الصدد، ومن المفيد في مثل هذه الحالة أن تقترن عملية التحول المؤسسي الجديد بخطة وطنية حول مراحل ترسيخ مبادئ واختصاصات وأدوار مؤسسات الإدارة المحلية ودور الوزارة في كل هذه المراحل.
 
تابعو الأردن 24 على google news