jo24_banner
jo24_banner

مومياء الكتل النيابية

المحامي صدام ابو عزام
جو 24 :
شكلت الكتل النيابية أخر معاقل الفكر السياسي في الأردن بإعتبارها مخرجاً وإطاراً مرجعياً جامعاً لإستكمال عناصر وأركان النظام النيابي البرلماني، وأنبرى لرسم معالم الطريق لهذه الكتل العديد من المنظرين وأصحاب الفكر الى أن وصلنا الى النص عليها في النظام الداخلي لمجلس النواب بنصوص مجزوءة وخجولة.
وكغيرها من التحديات المستعصية لم ينتهي الأمر الى هذه الوصفة السحرية في النصوص، وإنما تمترست الإشكالية عمقاً في البيئات والمشارب الفكرية التي تضم أعضاء هذه الكتل البرلمانية، التي بات بدون منازع أنها وصفةٌ جانبها الصواب في التنفيذ وفي قدرة الاشخاص على حملها أو فهم أبعادها الوطنية والسياسية.
تشير الأدبيات البرلمانية الى أن من أكبر التحديات التي تواجه البرلمانات خلال ممارسة أدوارها التشريعية والرقابية والدبلوماسية العمل النيابي الفردي، والذي يعتبر مقتل ومقبرة العمل البرلماني، ويشكل إخلالاً بطيبعة المواقف من السلطة التنفيذية، والمدخل الخصب لتغول السلطة التنفيذية على التشريعية من خلال إعتماد تلك العلاقة على المواقف الشخصية مع كل نائب وربطها في بعض الخدمات والمزايا التي يتم تمريرها بين الفينة والأخرى.
لا مراء بأن المسألة بعد ردح من الزمن باتت معقدة وذات طبيعة خاصة ونتاجها علاقات مشوهة لا يمكن من خلالها مراكمة أي تجارب سياسية إيجابية تشكل بذرة ونواة الإصلاح الصحيح، على الرغم من أن معالم الطريق باتت واضحة للقاصي والداني، ولا أوضح من ذلك ما ورد في الأوراق النقاشية ولا سيما الورقة الثالثة.
مشروع الإصلاح السياسي من أضخم المشاريع الوطنية التي تم العمل عليها وتم إحاطته بالتشريعات والمؤسسات بهدف المضي قدماً في هذا المشروع، وكان أخرها قانون اللامركزية وقانون البلديات، وكان أحد الأهداف المعلنة لمشروع اللامركزية أن يتفرغ مجلس النواب الى ممارسة أدواره الأصيلة بكل حرفية وموضوعية وكفاءة لينعكس بالنتيجة على ثقة الشارع بالسلطة التشريعية.
نظرة بسيطة على واقع عمل مجلس النواب لا تدع مجالاً للشك بأن الغاية المقصودة لم تتحقق إذ لا يزال العمل النيابي مرتهن بأجندات وعلاقات شخصية تشكل هاجس للنائب وتحوز علىى نشاطه العام، وأن الوقت المخصص لإستكمال البناء السياسي البرلماني يكاد يكون معدوماً، ويتم التعامل مع هذه المسألة وكأنها ترف فكري لا يتم الحديث عنها الا في أوقات الفراغ.
وللأسف يطالعنا بعض النواب في محاولة بائسة مبرراً ذلك بأن جمهور المواطنين يطالبه بتقديم خدمات، مجرد هذا التبرير والإقتناع به والمجاهرة به تعطينا مؤشراً أخر بعدم فهم الدور المطلوب وعدم قدرة على الدخول في متطلبات المرحلة وماتقتضيه من تغيير في الأدوات.
العمل البرلماني الجماعي هو حائط الصد الحقيقي لبعض الأنماط الثقافية السائدة تجاه العمل البرلماني، وبالعمل البرلماني الجماعي يمكن إحداث أثر حقيقي على صعيد الثقافة والإعلام وقدرة وكفاءة على الصعيد التشريعي والرقابي. المطلوب من مجلس النواب أن يحدث الأثر وليس المطلوب من المواطن عدم طلب الخدمات، إذ طالما أن هناك نواب يستجيبوا وليس لديهم أي حد معرفي وسياسي عن متطلبات المرحلة سوف تتراكم مثل هذه الممارسات وتقف معيق حقيقي أمام عجلة الإصلاح.
موقف بسيط للكتل النيابية يوم أمس بعد افتتاح أعمال الدورة العادية الثانية للمجلس وخلال انتخاب نواب رئيس المجلس يؤكد حقيقة مفادها أن هذه الكتل هلامية وليس لديها أي عقيدة او قناعة مسبقة حيال عمل السلطة التشريعية واولوياتها، بل وتؤكد أنه لا يوجد برنامج من خلاله يمكن للكتله ان تمضي في تنفيذه من خلال حصد هذه المناصب، العمل للأسف لا يزال يعتمد على ردات الفعل البسيطة ويسيطير عليه غلاف من العلاقات الشخصية التي والمقاربات المبنية على المحاصصة والمناطقية، اذ تشير مواقف تلك الكتل الى أنها إختارت تعويم أصواتها بإستثناء واحدة وأخرى لم تتفق على مرشح مما أدى الى انسحابه، حتى التي لم تشارك لم تتخذ موقفاً. ولعل المتابعة الدقيقة لعمل الكتل يشير الى حالة تشرذم أعمق من ذلك بكثير خلال عمل اللجان وغيره من المواقف الرقابية والتشريعية.
ولابد من التذكير بأن عملية الإصلاح السياسي البرلماني لها أدواتها وأدبياتها ذات الطابع الخاص والذي يميز تكوين السلطة التشريعية عن غيرها من المؤسسات، وأن عملية الإصلاح الإنتقالي تحتاج الى أشخاص إستثنائيين ينطلقون من رؤيه ورسالة مؤسسية وطنية مدعومة بخارطة طريق ضمن أهداف استراتيجية قابلة للتحقيق.
ونقطة البداية تمثل قراءة متأنية للنظام الداخلي من قبل خبراء مختصين يسهرون على مراجعة شاملة لمضامين النظام وما ينتابه من إشكاليات عدة تعتبر عقبة ومعيق أمام أي مساعي لتطوير النظام النيابي البرلماني، ومن جهة أخرى ، يتطلب ذلك إدارة برلمانية تعتمد النزاهة والشفافية والكفاءة والخبرة وأن تشكل وعاء وحاضنة حقيقية للعمل البرلماني بكل تفاصيله.
ولا يفوتنا الإشارة الى نظام انتخابي يعتمد العمل الحزبي أساساً له، إذ من المعروف في التجارب الدولية ولا سيما في أوروبا الشرقية تم الإستعانة بنظام الكتل البرلمانية أومجموعات العمل البرلماني كمرحلة مؤقته ولكن رافق ذلك ربط تشريعي ومؤسسي بقانون الأحزاب وبالدعم المالي المقدم للكتل والاحزاب، فالكتلة التي تتحول الى حزب تحصل على مبلغ مالي وغيرها من معايير الصارمة التي تلزم الأعضاء فيها على العمل الجماعي.


 
تابعو الأردن 24 على google news