jo24_banner
jo24_banner

لماذا تعثرت الحياة السياسية الأردنية.. وكيف يمكن النهوض بها؟

ابراهيم غرايبة
جو 24 : حديث جلالة الملك عن ركود الحياة السياسية، وعجز القيادات والنخب السياسية في البلد عن إدارة حياة سياسية نشطة تستقطب قواعد اجتماعية واسعة، وتنشئ تداولا سلميا للسلطة على أساس الأغلبية البرلمانية؛ يمثل رسالة إلى الحكومة والمجتمعات والأحزاب والشركات لأجل إعادة النظر في المنظومة السياسية القائمة، ومراجعتها استراتيجياً على النحو الذي يؤول إلى مشاركة مجتمعية سياسية واسعة ونشطة وفاعلة، تقوم أساسا على الطبقة الوسطى. وتعبر هذه المشاركة عن نفسها في ثلاثة أو أربعة أحزاب سياسية رئيسة واسعة، تتوزع مقاعد البرلمان، وتشكل حكومات على أساس الأغلبية البرلمانية؛ حكومات يشكلها الحزب الحائز على الأغلبية البرلمانية، أو ائتلافات حزبية مغطاة بأغلبية برلمانية.
الخواء السياسي لم يتشكل بين عشية وضحاها. وبطبيعة الحال، فإن إصلاح العملية السياسية لا يتوقف على تشريعات أو قرارات، بقدر ما هو منظومة شاملة من الإصلاح والأفكار. ولكن الانتخابات النيابية المتوقع إجراؤها يمكن أن تكون فرصة عظيمة لإعادة تشكيل الحياة السياسية؛ هي فرصة لن تنشأ أو توظف تلقائيا، ولكنها فرصة يمكن إنشاؤها وتعظيمها!
ويمكن، ببساطة، ملاحظة الخلل والإصلاح في العملية السياسية بالنظر إلى أطراف العملية السياسية، وتقييم دورها الأساسي المفترض، وهي: المجتمعات، والطبقة الوسطى، والنخب، والسلطة التنفيذية، وسياسات تشكيل الحكومة، والإدارة العامة وعلاقتها بالمجتمع والسوق، والقطاع الخاص والشركات.
لماذا الطبقة الوسطى هي مفتاح الخلل والإصلاح؟
إن الطبقة الوسطى في سعيها الدائم إلى تحسين حياتها وحماية مصالحها، ووضوح تطلعاتها وأهدافها الناشئ من خبرتها المهنية والتعليمية؛ تجد مصالحها وأهدافها دائما (يفترض) في الإصلاح السياسي والارتقاء بالأداء العام والخدمات الأساسية، ووجود آليات ومؤسسات تحمي وتضمن الإصلاح السياسي. فهي (الطبقة الوسطى) تتطلع إلى مستوى تعليمي أرقى تدركه بوضوح، وتجد أن هدفها لا يتحقق إلا بتعليم رسمي قوي ومتطور وراق؛ فهي لا تملك، بطبيعة الحال، مواردها الخاصة لتؤمن لنفسها وأبنائها تعليما راقيا، ولا تملك سوى إصلاح التعليم الرسمي. وهي أيضا تتطلع إلى مستوى راق من الخدمات الصحية تدركه بوضوح، ولا تجد وسيلة لتحقيقه سوى إصلاح الخدمات الصحية الحكومية والارتقاء بها؛ وتحتاج، خاصة في ظروف وتطورات عملها وسيادة الأسر النووية، إلى خدمات اجتماعية لا تقوى على تأمينها فرديا من خلال السوق، وتطور أسلوب حياتها واحتياجاتها على نحو يقتضي شبكة متطورة وفاعلة من وسائل النقل والترفيه.
لماذا لجأت أو دُفعت الطبقة الوسطى في إدارة احتياجاتها وأولوياتها الأساسية إلى السوق، في الوقت الذي تدفع فيه الضرائب، وتنفق السلطة التنفيذية على التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والإسكان والنقل والترويح؟ لماذا قبلت الطبقات الوسطى أن تتحول إلى زبون، وليس شريكا، في إدارة وتنظيم الخدمات الأساسية، في الوقت الذي تدفع ضرائب باهظة للسلطة التنفيذية؟ لماذا لم تتجمع الطبقة الوسطى وتشكل نفسها، وتنشئ إطارات سياسية واجتماعية حول احتياجاتها وأولوياتها؟ لماذا تحولت النقابات المهنية والعمالية إلى تابع للشركات والسلطة في مواجهة الطبقة الوسطى، بدلا من أن تكون مظلة اجتماعية ترتقي بالخدمات الأساسية واحتياجات المواطنين؟ لماذا لم تتشكل العلاقات والتسويات بين الطبقة الوسطى والسلطات والشركات على النحو الذي يؤمن لأصحاب المهن والأعمال والموظفين أسلوب حياة يجد فيه أبناء هذه الطبقة الوسطى فرصة عملية ومعقولة للحصول على هذه الخدمات، وبمستوى من الجودة والنوعية والتكاليف، يليق بالمواطنين وضمن قدراتهم المالية؟
يبدأ الإصلاح عندما تجد الطبقة الوسطى أملا من خلال العملية السياسية بتحقيق أهدافها وتطلعاتها. وهنا يمكن للقيادات السياسية والحزبية، والمرشحين للانتخابات النيابية، تأسيس عمليات تواصل وعمل مشترك مع المجتمعات لأجل إصلاح الأداء العام والارتقاء بالخدمات الأساسية. لماذا لا يجد المسؤول السياسي حاجة للتواصل والعمل مع المجتمعات؟ لأنه، وببساطة، لم تعد عمليات وآليات اختيار الوزراء والمدراء العامين والسفراء والمسؤولين الحكوميين وقادة المؤسسات الحكومية بناء على معايير سياسية واجتماعية، ولم يعد ثمة حاجة (هكذا ظهر اعتقاد ثبت فشله وكارثيته سريعا) لأن يكون المسؤول الحكومي قائدا اجتماعيا أو سياسيا، ولا حتى قائدا مهنيا أو تقنيا أو بيروقراطيا. لم يعد النجاح السياسي والاجتماعي والمهني والعلمي مدخلا للتقدم السياسي، وتحولت النخب السياسية بسرعة إلى تجمع مغلق وآسن، بدلا من أن يكون جماعة يدخلها الناجحون ويخرج منها الفاشلون. وكانت النتائج كارثية وفظيعة ومتوالية مثل كرة الثلج؛ فإغلاق النخب يؤدي بطبيعة الحال إلى فجوة بين الطبقات، وغياب الدوافع والحوافز للمبادرات والإبداع والعمل والانتماء والالتزام، ويدمر المؤسسات التعليمية والخدماتية، وينشئ ثقافة فاسدة تدمر منظومة الثقة والقيم الحاكمة للعلاقات والمؤسسات وتطبيق القانون، كما ينشئ علاقات بدائية قرابية ودينية وجغرافية لا تصلح للمدن والمهن والأسواق والتقدم العلمي والتقني والمهني.
وهكذا، فإن الإصلاح يبدأ، ببساطة، من قاعدة اختيار الوزراء والمسؤولين والمدراء العامين من النواب المنتخبين ورؤساء البلديات والقادة الناجحين في العمل العام والمهني والأكاديمي، وعلى أساس من التنافس العادل الذي يفعّل الحوافز والدوافع للعمل مع المجتمعات واكتساب ثقتها، ويحسن شروط المسؤولية القائمة على القدرة على التأثيرالاجتماعي وقيادة المجتمعات وكسب ثقتها.
لا بد من إعادة القول إن الوزير والمسؤول، وكل من تولى منصبا قياديا في العمل العام، ولا يقدر على النجاح في انتخابات نيابية أو نقابية، يجب ألا يعاد اختياره. فعندما يدرك المواطن أن تقدمه السياسي يقوم على النجاح المهني وثقة المجتمعات، تصبح العملية السياسية مجدية وجاذبة للمجتمعات والطبقة الوسطى، وبغير ذلك فإنها لا تختلف عن هواية مراقبة وتصوير الفراشات."الغد"
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير