إصلاح تقوده الطبقة الوسطى
الطبقة الوسطى (يفترض/ يجب) أن تقود المجتمعات والأفراد، وتخلق المبادرات والإبداع. وهي أيضا المنشئة للفضيلة؛ فهي المثل الأعلى للفقراء ليرتقوا بحياتهم وأفكارهم، وللأغنياء والنخب ليرشّدوا أسلوب حياتهم، ويعرفوا كيف يكونون قريبين من الناس وجزءا منهم وكيف يفكرون! وعندما تفقد الطبقة الوسطى المبادرة، تتوحش النخب وتنفصل عن مجتمعاتها، ويتيه الفقراء والمهمشون ويفقدون الأمل والبوصلة.
وعندما تنحسر الطبقة الوسطى وتفقد امتدادها في المجتمعات والبلدات والمهن، لن تتشكل قيادات اجتماعية رائدة ومبدعة. وأسوأ من ذلك كله أن المجتمعات تفقد الخيال والإبداع الذي يقودها الى ما هو أفضل وأجمل، ولا تميز بين القبيح والحسن وما تحتاجه وما لا تحتاجه وما أنجزته وما لم تنجزه بعد.. تدور حول نفسها؛ تتراجع وتتقدم، تسير في كل اتجاه.
ولذلك، فإنه لا يمكن الحديث عن مشاركة بين الدولة والمجتمع، ولا عن قواعد اجتماعية للإصلاح وأحزاب سياسية قادرة على تشكيل حكومات برلمانية، من غير طبقة وسطى تعي وجودها، وتعمل وتتحرك في المجتمعات والبلدات والمدن والمهن والأعمال والجامعات، منشئة قواعد اجتماعية ممتدة للإصلاح والعمل والتنافس، وقيادات اجتماعية مستمدة من التشكلات الاجتماعية والمهنية القائمة على الطبقات والأعمال والمدن والأولويات والاحتياجات والأفكار.
وعندما بدأت الدولة تتخلى عن كثير من الخدمات والأعمال التي كانت تؤديها، وتُسندها إلى القطاع الخاص؛ كالمناجم والتعدين والكهرباء والاتصالات والنقل والبريد، وأفسحت المجال للقطاع الخاص أيضا للاستثمار في الخدمات التي تؤديها؛ مثل التعليم والصحة والسكن.. تبع ذلك تحولات عميقة في قوانين العمل والعلاقات مع السلطة والعلاقة بين المجتمعات والشركات والعلاقة بين السلطة والشركات؛ كانت التحولات في مجملها إضعافا للمجتمعات وقدرتها على إيصال صوتها والتأثير في القرارات العامة المتعلقة بحياتها ومشاركتها السياسية والعامة، وتعرض مستوى المعيشة والدخل لتراجع كبير. فقد أُضعفت (ربما عمدا) المؤسسات الحكومية الخدماتية وتوقف الكثير منها، وصار لزاما على الطبقة الوسطى أن تلجأ إلى القطاع الخاص للحصول على الخدمات التعليمية والصحية. وتراجع مستوى جودة ونوعية كثير من الخدمات والسلع، وارتفعت تكاليف الحياة والسلع والخدمات الأساسية. وفي الوقت نفسه، وجدت المجتمعات أنها معزولة، بلا حول ولا قوة في مواجهتها مع التحالف النخبوي والفوقي للشركات والحكومات. وتضاءلت فرص الابتعاث والتدريب في العمل، والتنافس العادل على الوظائف والأعمال والفرص والترقية، والحصول على مستوى كريم من العيش والاحتياجات والخدمات الأساسية ضمن الدخول المفترضة والمتوقعة لهذه الفئات من المجتمع.
ولذلك، ثمة حاجة ملحة في الأردن لعمليات تمكين للمجتمعات، تقوم بها السلطة التنفيذية مختارة متطوعة أو أن تناضل المجتمعات لأجل استقلالها، وتخوض عمليات سياسية واجتماعية وتنظيمية في العمل والتشكل، والتفاوض والصراع والضغط لأجل "مجتمعات مستقلة".
لدينا في الأردن اليوم تعددية حزبية، وانتخابات نيابية ونقابية وبلدية، وصحافة مستقلة، ولكننا نشعر جميعا، حكومة ومجتمعات، بأنها ديمقراطية لم تُنشِئ الإصلاح المطلوب، ولم تُحسِّن الحياة.. إذن، ما الحالة التي نرغب فيها ونتطلع إليها؟..الغد