في غياب المجتمعات تغيب منظومة السلوك والديمقراطية!
بدأت بكتابة هذا المقال في 4 أيلول (سبتمبر) الحالي، بفكرة أساسية هي أن المجتمعات يجب أن تكون شريكا رئيسا فاعلا وقادرا في الحياة السياسية والاقتصادية؛ وأن مجتمعات مستقلة، تملك مواردها وولايتها على مجموعة من الشؤون والخدمات الأساسية، هي مبتدأ الإصلاح والديمقراطية، لأن المجتمعات في حالتها المستقلة المشار إليها تنشئ قياداتها الاجتماعية المعبرة عن تطلعاتها وأفكارها، كما تنشئ أيضا الثقافة والقيم الملهمة للتقدم والتنمية؛ أو بعبارة محايدة: تحقق ما تريد المجتمعات أن تكون عليه.
ثم استطردت في أثناء الكتابة إلى حالة الإخوان المسلمين التي لم تساهم في استقلال المجتمعات وتمكينها، ووظفت الثقة التي حصلت عليها وتجربتها التاريخية في العمل السياسي بعيدا عن المجتمعات أو فكرة التأثير في الأفراد والمجتمعات والدول، لأجل الوصول إلى أهداف مرغوبة!
اليوم، تفرض حادثة مجلس النواب الغريبة جدا نفسها للتأكيد على مقولة المجتمعات المستقلة، وللتذكير -مرة أخرى- بالكارثة التي تسببت بها النخب السياسية، بحسن نية أحيانا وربما بسوء نية في أحيان أخرى؛ عندما أضعفت البلديات والمجتمعات، وألحقتها بالسلطة والشركات! لقد كانت في حقيقة الحال متوالية معقدة من الكوارث؛ ففي ضعف مشاركة المجتمعات وإضعافها، بإفراغها من الولاية على الثقافة والدين والتعليم والرياضة والطاقة والمياه والسلع الأساسية والرعاية الاجتماعية وتخطيط بلداتها وشؤونها ومشاركتها الأساسية في تنظيم الحياة العامة التي تخصها مباشرة أو تتعلق بالمجتمع الرئيس والدولة والتشريعات المنظمة؛ فقدت الانتخابات النيابية والبلدية والنقابية والمجتمعية بعامة غايتها الأساسية ومعناها وجدواها، لأن القيادات الاجتماعية المنتخبة للبرلمان والبلديات والجمعيات والأندية، يفترض أنها تعبّر عن شبكة حقيقية على الأرض، من الهموم والأعمال اليومية المشتركة بين الناس، وتقوم على أساس موارد تملكها المجتمعات وترتبط بها مصالحها وأعمالها وحياتها اليومية والعامة.
الانهيارالأخلاقي والانهيار القيمي الممكن رصده اليوم على نطاق واسع وشامل في السلوك والتفكير والسياسة والإدارة، يؤشران على غياب الأسواق والمجتمعات، لأنه وببساطة تنشأ المجتمعات والقيم والقوانين والعلاقات والروابط حول المصالح والأعمال والموارد والأسواق.
هؤلاء مثلا الذين لا يقدرون على الاستماع أو الحوار، أو من لا يملكون حسا كافيا لتمييز القبيح من الحسن، ولا يرون الخطأ والصواب ولا يتحملون العطاء وتبادل المنافع والمشاركة، يعكسون بدقة متناهية فرصهم في الحياة التي شكّلتهم؛ كيف سيقدرون العدل وفرصهم قائمة على الظلم؟ كيف يلتزمون القانون ويحترمونه، وهم لولا تجاوز القانون لخسروا مكتسباتهم؟ كيف يؤيدون الإصلاح وهم لولا الفساد لخسروا كل مكتسباتهم؟المؤسسات العامة والخاصة، والأسواق والعطاءات والتوريدات، وإدارة وتنظيم المؤسسات والخدمات والمهن والحرف، تعكس سلوكا وقيما أساسية منشئة لهذه المنظومة؛ فإن كانت تقوم بعيدا عن العدل والمصالح الحقيقية، يكون العقل الباطن والذاكرة المحركة هي صراع البقاء، وشخصية ونفسية الخارج على القانون، لأنها منظومة قامت ابتداء على انتهاك القوانين، وبطبيعة الحال ستكون منظومة السلوك والعلاقات مستمدة من الشعور بالتهديد!
(الغد)