" علكة وبوشار " ...!!!!
" الله يسامح جدك إللي ما رضى يبيعله غنمة من الغنمات " مقولة كثيرا ما كان يرددها لأبناءه واحفاده تعبيرا عن شعور الألم والغصة التي رافقت وطالعت مستقبله منذ ان أخرجه والده من المدرسة فأستكمال المرحلة الدراسية بعد المرحلة الإبتدائية كان تتطلب الذهاب للسلط والرحيل إليها من إقصى الجنوب وصاحب الحظ السعيد هو من كان والده ملاكا ، أما هو فوالده لم يملك سوى بضع غنمات والأمن الإقتصادي للأسرة لا يستوعب هذه الأحلام ، وعندما يسهب في الحديث عن حياته يفاجئك انه كان الاول في ترتيبه بين زملائه في الصف الرابع والخامس ، حتى انه يسرد إليك شخصيات عديدة وصلت لأعلى المراتب في الدولة في المناصب العامة قد زاملته ورافقته وتفوق عليها في حياته الدراسية القصيرة ، ومع ان " الغنمات " جعلت في قلبه غصة إلا ان ذلك لم يمنعه لكي لا يكرر مأساته مع أبناءه الذين علمهم واحسن تعليمهم في أحسن الجامعات ...!!!!
عندما كنت أسمعه وهو يشكي حاله كنت أستغرق في التفكير ، ماذا لو كتب له القدر أن غنمة من الغنمات قد بيعت وأستكمل تعليمه ...؟ فمن الممكن ان يكون آنذاك مشروع طبيب عبقري يعالج ويكتشف (للاوادم ) علاجا إستعصى علاجه أو شفائه ويضع الأردن على المراتب الأولى في العالم ، او من الممكن ان يكون عالما في الإقتصاد يستطيع أن يبني وبشكل مؤسسي إقتصاد البلد المسكون بالعجز والمعاناة ، ومن الممكن أيضا ان يكون عالما في علوم الزراعة وكتب الله على يديه حلا لطعامنا الذي نستورده من غيرنا ...أو ان يكون خبيرا في الري والسدود قد وهبه الله إلينا ليعالج عطشنا في كل صيف حار ...!!!!
الحياة في ميزان الأمم والشعوب فرص ولكن هذه الفرص إذا لم تستغلها وتستوعبها ضمن خطط وبرامج مدروسة نحو الأفضل وبناء المستقبل فالقطار حينها سيفوتك وستبقى هامدا وساكنا في محطة الإنتظار ، فلك ان تتخيل كم من عبقرية فذه بالعلم والعلوم فاتها القطار لحاجة أو فقر مدقع ولم يجد أياد بيضاء ترعاه وتنشله من وسط هذا الفقر المدقع وكم هي الفرص التي ضاعت على الأمة بل والأمم لأننا لم نبادر لمثل هؤلاء ...!!!
في العالم المتقدم يتبنون العباقرة والكفاءات من الصغر إلى الكبر بل ويعتبرونهم رأس المال الذي يجلب إليهم " البزنس والدولار " ...، وفي وطننا العربي للأسف تجد أطفالنا الذين رماهم الفقر والحاجة يتسكعون على الإشارات الضوئية بالشوارع يبيعون "العلكة والبوشار" في الوقت الذي يتلذذ به الإغنياء بالسيجار والكافيار ...آن لنا أن نبحث عن كنائزنا الدفينة في بيوت أولئك الذين يسكنون بيوت الصفيح ولا يملكون لا غنمة أو غنمات ...!!!!!