الحكومة ... والجاكوزي
المراقب لوضع البلد وما يجري بها من سوء ادارة للازمات يشبه الى حد كبير الجالس في حمام الجاكوزي المعروف. ففي الجاكوزي تمطرك المضخّات داخل الحوض بلكمات الفقاقيع الهوائية من كل حدب وصوب ولا تكاد تترك عضلة واحدة الا استفزتها ولكمتها عن يمين و شمال. في حال ان جسدك المسكين يكون قد أُنهك من جرّاء ما يزيد عن الساعة من الجري على عجلة التريدمل و رفع ما تيسّر له من اثقال ولا يكاد يبدي اي مقاومة. كذلك هو حال الشعب المسكين المنهك من اسباب العيش الصعبة والمتطلبة والمنتهك من سياسات متضاربة لا يفهمها ولا يستسيغ معضمها ويجلس مستسلما للكمات فقاقيع الحكومة المتتالية ناصحة اياه بالصبر والاحتساب والتحمل لان كل هذا الالم يصب في مصلحته ومن شأنه ان يريح الاجزاء المتشنجة من جسدة ليعود حيويا كما كان.
فقاعات عديدة متتالية ومتباينة في الحجم والقوة حسب حجم وقوة "المضخة" المصدرة لها. بعض هذه الفقاعات صغير وألمه لحظي ولا يؤثر على أجزاء كبيرة من الجسد كأزمة العاملات الاجنبيات في المساكن او بعض التعينات العليا المكرسة لمبدأ الاسترضاء في المجال الاكاديمي او أزمة تصدير الخضار او الجواز الاحمر والتقاعد الانتهازي للنواب اومطالبات الاطباء والممرضين وأزمة الليبيين مع القطاع الصحي العام والخاص وغيرها من "النتاويش" المنغصة والتي باتت معروفة المصدر نسبة لصغر حجم "المضخة" النافثة لها طبعا. أما فقاعة بحجم فساد شركة الفوسفات والطريقة التي أُدير بها الملف والتي كادت ان تقلب الجسم كله رأسا على عقب وفقاعة مثل التعامل غير الموفق مع حراك الطفيلة وملفات الفساد المتكاثرة وسباقها الماراثوني اللامنتهي منذ ما يزيد عن العام ونصف وقانون الانتخاب السحري الذي لا يريد أن يخرج من فوهة البركان يصتعصي على الحكيم ادراك نوع وحجم "المضخة" التي نفثتها في حوض الاحداث وقد يكون اشترك في انتاجها اكثر من "مضخة".
لم ادخل يوما الى الجاكوزي الا وخرجت بحال من عدم الارتياح اسوأ مما كنت عليه قبل الجاكوزي. وكأن فلسفة هذا الاختراع هي في الاساس ان "تحمد ربك" على البلاوي الي فيك ولا تتطلّب وتنظر الى التخلص من الالم بسهولة وان تكف فورا عن الشكوى والتذمر . وهي ايضا دعوة ان تستمر في الجري على تريدمل الانتاج اللامتناهي دون التفكير حتى بألم العضلات او بما قد يخففه قليلا الا حسب ما يتيحه لك صاحب ال "جم" الذي يدعي الحرص على مصلحتك اكثر منّك، فأنت بالاساس مصدر دخله الوحيد.
هل يا ترى هذا هو بيت القصيد من وراء جاكوزي الحكومة المنطلق بكامل طاقته و "مضخاته" هذه الايام؟