استقالة الخصاونة: نهاية أم بداية ؟
من السذاجة الاعتقاد بأن استقالة رئيس الحكومة السابق والقاضي الدولي (عوص الخصاونة) هي كما يجري على لسان البعض تهكّما "نهاية رجل شجاع". فلو كان الامر كذلك، وأن في نية الخصاونة اعتزال السياسة والنأي بالنفس عن تبعاتها، لما اختار الرجل لاستقالته هذا الاخراج الدراماتيكي الشديد الوقع والمستفز. كان أحرى به، لو اراد الخروج الهادئ، الإسرار للملك برغبته بالعزوف عن الاستمرار ولكانت بُررت استقالته باسباب شخصية او صحية وما الى ذلك. أما هذه الطريقية "الكاتالونية" باستقالة عابرة للقارات فتنم حتما عن دور مستقبلي معين أراد الخصاونة ان يلعبة واراد ان يصنع من حدث الاستقالة بداية مجلجلة لذلك الدور المهم ، لا نهاية له.
لا يغفل الخصاونة عن ما يعلمه صاحب "البسطة" في الاردن وهو ان لهذا الفعل الجرئ ثمن قد يتعداه ليطال اولاده، واقرباءه واصدقاءه وحتى عشيرته الممتدة لن تسلم ايضا من تبعات هذا القرار الذي دبّر بليل. فلماذا عمد الخصاونة وهو القاضي الحكيم والهادئ نسبيا الى تقديم استقالته بهذا الشكل المشحون والشاحن للرأي العام وللدولة في كل مستوياتها؟
لا أظن ان الامر هو على ما يبدو عليه. وأكاد أجزم ان الخصاونة قد ارتئى لنفسه زورقا آخر في لجّة الاشهر القليلة القادمة وهو بدوره ما قد يوصله الى ما اراد اصلا ساعة قبولة التكليف الملكي بتشكيل الحكومة منذ ستة اشهر وهو ان يرأس حكومة وطنية ذات ولاية عامة وقرار مستقل. علينا ان نشهد للرجل بالذكاء والفطنة، فهو تقريبا اوّل من اثار مسألة الولاية العامة للحكومة من بين كل الذين كُلفوا بمثل هذا الامر ولم "ينبرع" بأضواء التشكيل والتطبيل كغيره ممن لا يكاد يبين حين يُزفُّ له خبر اختياره وزيراً فكيف برئيسٍ للوزراء. الرجل، ومنذ البداية، اثار مسألة غاية في الاهمية وتعبّر عن فكر راقي ومستنير وهي استرداد الولاية العامة. لم يكن بطلا في مكافحة الفساد، ولا عقلية فذة في انقاذ الاقتصاد ولم يؤسس حتى لحريات عامة او فردية غير مسبوقة. حتى انه اخفق، قاصدا او عن غير قصد، بسن تشريعات متطورة في صلب اختصاصه وتتسق مع باعه الطويل في القضاء والتحكيم والتشريع على مستوى دولي. إن لم تكن ثورة على فسادٍ استشرى اوثأراً لحريةٍ استهدفت او تشريعٍ أُريد به الاساءة للصّالح العام، وهي احتمالات مرفوضة قطعا فالخصاونة كرّس كل ذلك وهو في السلطة، فلما إذا هذه الاستقالة المثيرة للجدل؟!!
من الممكن جدا ان يكون قد ارتأى أمراً يوصله الى "الدوار الرابع" مجددا ولكن على الشكل الذي يريد من حيث السلطة والمدة. فقد كان معروفا سلفا ان حكومته لن تستكمل العام بكل الاحوال نظراً لاصرار الملك على انتخابات برلمانية مبكرة خلال العام. وهو ما لا يرضي غرور من استمرأ طعم السلطة وخبر اضوائها و" عاش الدور". ولم يكن يعوزه الجاه والمنصب الرسمي فقد سبق وشغل منصبا رفيعا فعلا كرئيس للديوان الملكي في التسعينيات.
أراد الخصاونة القدرة على الفعل والتأثير، أراد الحكم بمعناه الحقيقي لا الشكلي، أراد ان يشبع شغفا بدخول التاريخ وقلوب الاردنيين كبطل غيّر واقعا مؤلماً. قد يكون الطريق الى ذلك ممكنا من خلال حكومة برلمانية ذات صلاحيات حقيقية . وقد يكون سبيله اليها تحالف ما مع احدى القوى المؤثرة في الشارع الاردني وذات صعود و انتشار في المنطقة.
ليس من المستبعد اذا ان نرى الخصاونة قريبا بعد صلاة الجمعة في ساحة المسجد الحسيني ... !!!