الحراك الشبابي .. وأزمة القيادة
الان بعد أن تم الافراج عن معتقلي الطفيلة والدوار الرابع بعد تدخل، في ما يشبه الدراما، من أعلى مستويات القرار السياسي في البلد، يبقى السؤال: وماذا بعد؟ هل سيعود هؤلاء الشباب عن ما بداؤوه منذ عام ونصف بعد "قرصة" الاذن المصحوبة ب"جحرة" حادة في العين أملاً في كسرها بعد "مكرمة" الافراج؟ هل تعتقد الدولة فعلا أن إرسال رسالة ما، من خلال جملة إجراءات تعسفية مرتجلة دون الوصول الى حلول جذرية للمطالب الرئيسية، كفيل بثني الشباب عن مسارٍ اختاروه؟ هل ستفضي حملة من التحامل الاعلامي الموجّة الداعي الى التعقل تارة والمشكك في النوايا تارة أخرى، أو سلسلة مرتبة من المسيرات المضادة في قلب الطفيلة وغيرها من المدن الى طمس تلك المطالبات او إعادتها الى المستويات السفلى التي لا تغضب صانع القرار؟ الجواب القاطع حتما ستكشفه الايام، وربما الاسابيع، القادمة.
ولكن مما لا شك فيه، أن الاحداث الآن قد دخلت في منعطفٍ خطيرٍ للغاية. فالتصعيد الناتج عن مشروعي الانتخاب والاحزاب، والاحتقان الشعبي الناجم عن طي ملفات الفساد في أدراج اللجان النيابية معدومة الكفاءة، ورفع درجة الاستهداف للقوى الاسلامية صاحبة الحضور والتعاطف الشعبي يدفع بمزيد من الجمر في مرجل الاحداث. قد يكون الحراك الشبابي أكثر الاطراف براءة في المشهد بدليل ان حفنة من الشعارات المرتجلة اوصلته الى حرب إرادات قاسية ومبكرة مع المؤسسة الامنية التي لا طاقه له على مواجهتها اليوم نظرا لحداثته ومحدودية رقعتة وتكوينه من جهة مشراستها وقدرتها على التجييش عبر سيل من "المطبلين" من جهة اخرى. مع ان البعض يرى أن هذه الشعارات كانت دخيلة على الحراك بالاساس لايجاد المبرر المناسب لتوجيه اللكمة المؤلمة له. إن صح ذلك ،فهو دليل آخر يدعّم الاستنتاج الاول بان هذا الحراك برئ وعفوي ومشتت.
لا يجوز، برأيي، أن يبقى الحراك الشبابي على هذه الحال من التشتت وعدم التنظيم. فالايام القادمة حالكة وتحتاج الى رؤية موحدة لأي قوة تريد ان يكون لها نصيب في صناعة الاحداث. لقد أجمع الكثير من المثقفين على أن عدم وجود قيادات تقليدية لحراكات الربيع العربي هي من مواطن القوة وانا لا اختلف مع ذلك. ولكن ارى أن الربيع العربي ظاهرة حيّة تنمو وتتطور وتنضج مع مرور الوقت. لا ينكر احد ان غفلة ورتابة الانظمة التي أطاحت بها موجات الربيع العربي لعبت دوراً مهمّاً لصالح تلك الحراكات. أمّا اليوم، فقد استفاقت معظم الانظمة وأحسّت بالخطر الذي يداهمها. كما أن الغرب أيضا أدرك مخاطر التغيير المفاجئ على مصالحه ويريد أن تكون له كلمة في ما يجري إن لم تكن كلمة الفصل كما حدث في اليمن ويحدث الان في مصر وسوريا، على سبيل المثال.
لا بد لهذا الحراك أن ينظّم، ويؤصّل وينظّر له. ولا بد لشعاراته من "فـلترة" وحسن انتقاء حتى لا يقع في محظور يبرر الهجوم عليه ويفقدة زخماً وتعاطفاً هو بأمسّ الحاجة له بين فئات الكتلة الحرجة. قد تكون فكرة "مجلس تنسيقي" لحراك الشباب يُمثل به حراك كل المحافظات والتيارات التي برزت مؤخراً فكرة ذات صدى وأهمية بالغة الان اكثر من ذي قبل. وقد يكون الوقت المناسب قد جاء للكثير من المناضلين التقليديين كي يترجلوا ويساهموا من خلال استشارات وتوجيهات ميدانية لهذه الكتل الشبابية في المسيرات والمنتديات الالكترونية بديلا عن الاقتتال فيما بينهم والنأي بالنفس والتعذر بالشيخوخة وكبر السن.
قالوا قديماً، الضربة التي لا تقتلك .. تقوّيك. فلتكن تجربة الاعتقال بتهمة إطالة اللسان سبباً وجيهاً لانشاء إطار مؤسّسي لضبط اللسان والزمان والمكان بما يتناسب مع تطورات المرحلة وأهدافها.
قد تكون هذه الخطوة متأخرة، ولكن أن تأتي متأخراً .. خير من أن لا تأتي أبداً .
د. محمد العودات