شجاعة الرئيس .. على ناس وناس !!
دون كل بلاد الدنيا، تغدو الكتابة في الشأن الداخلي لهذا البلد اشبه بالنزيف منها بالكتابة والتأليف. الا يُعد الكلام حراماً في نظام حبته الطبيعة الديموغرافية والعناية الاهية فرصاً ماسيةً للخروج من مأزقهِ السياسي والاقتصادي في زمنٍ تتساقط فيه الانظمة المستبدة كأوراق الخريف ؟! أضاع علينا "هؤلاء" هدأة العيش وتنفّس الصعداء في ظرف دقيق تطلعنا به الى الحكمة فقوبلنا بالمجازفة، وتوسمنا فية شجاعة الاعتراف بالخطأ والتغول على الحريات فوجدنا المكابرة والعناد، وتأملنا ان يصوغ الساسة "الكبار" وصفة اردنية خاصة للخروج من لجّة الربيع العربي بسلام فاذا بوصفتهم لا تعدو عن كونها قرصاً مخدراً هبط المصنعية.
البلد يمر بازمة اقتصادية غير مسبوقه حسب تصريحات رئيس الوزراء لكتاب الاعمدة اليومية في الصحافة الاردنية أمس في نادي الملك الحسين. وعلينا، وحسب رأيه، ان نشد الاحزمة ونستعد لموجة من غلاء الاسعار قد لا تبقي ولا تذر من هيكل المواطن المسكين، والصامت لحد الان، وهذه الخطوة لن تكون الاخيرة ولن تخفف من عجز الموازنة اكثر من خمسة بالمائة، حسب بيانات الحكومة نفسها. شجاعة الرئيس هي ما دفعته لاتخاذ مثل هذه القرارات والاخذ بعدم ترحيلها للحكومات القادمة اسوة بمن سبقه من الرؤساء والتناتيح. أي شجاعة تلك بالله عليكم!! اين هي هذه الشجاعة من ملفات الفساد واسترداد ما نهب من خزينة الدولة خلال ما يزيد عن عقد من الزمان؟ في ملف واحد حسب ما يتناقل، ذهب ما يربو عن الست مائة وخمسين مليون دينار لجيب شخص واحد كفرق في اسعار بيع الفوسفات وهو رقم يساوي اضعاف ما ستوفره الحكومة من منظومة رفع الدعم ورفع اسعار الكهرباء. لماذا لا توظف الشجاعة المزعومة في استرداد هذه المبالغ؟! كيف تقبل هذه الشجاعة استباحة ولايتها الدستورية دون حتى ابداء الحد الادنى من الامتعاض لهذا الواقع المرير؟!
من الواضح ان الشجاعة هنا كما يقال بالعامية "على ناس وناس". شجاعة على المواطن البسيط الذي لا يتجاوز دخله ال 400 دينار وذلك، حسب مركز الدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، حال 77% من العمال في الاردن. شجاعة في مناكفة نخبة من ابناء الوطن امتهنوا السياسة ومقارعة الاراء خدمة للصالح العام ولم يسيروا جنب "الحيط" أو في رداء مسؤول او متنفّذ فكان مصير بعضهم الاعتقال !! شجاعة في محاولة العودة للتلاعب بارادة الناخبين من خلال التسويق لقانون انتخاب يعود بنا الى الوراء بتغليب الولاءات المناطقية والعشائرية الضيقة على الولاء للوطن. الشجاعة ،برأيي، هي باستباق تفاعلات الواقع بقانون انتخاب عصري وعادل لا يقصي احدا وهي ايضا باتخاذ حزمة اجراءات جادة لاسترداد ما نهب من الخزينة ومحاسبة من تساهل بالتصرف بمال الناس لارضاء اشخاص او جهات معينة قبل اي حديث عن رفع او دفع. الشجاعة في حل اي مشكلة تبدا بمحاسبة من تسبب بها. الا في الاردن، فالمشكلة تحل على حساب من عانى الامها وتوابعها وتقضي بخروج آمن ،واحيانا مشرّف، لمن افتعلها. اليس من الشجاعة مكاشفة الشارع الاردني بالمتسببين بهذه الكارثة الاقتصادية الكبرى ليتسنى لنا، على الاقل، معرفة من ندفع الان وسندفع مطولاّ لاحقاّ تكلفة اخطاءهم واجتهاداتهم الكارثية، وفسادهم ايضاً قبل كل شيئ. غير ذلك فان اي حديث عن الشجاعة في هذا الظرف الحرج، لا يتعدى كونه ضحكاً على "الذقون".