2024-05-20 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الانتخابات ... خطاب للداخل أم للخارج ؟

د. محمد العودات
جو 24 :

على طول البلاد وعرضها انتشرت خلال العامين السابقين انتفاضات وحراكات شعبية شبابية مطالبة بالاصلاح السياسي والاقتصادي الفوري لانقاذ ما يمكن انقاذه من بقايا ثقة المجتمع بمؤسسات الحكم والتي التهمتها شبه الفساد من كل الزوايا واجهزت عليها ممارسات تزوير ارادة الناخبين والتعيينات القائمة على الاسترضاء وغيرها.

الحراكات لم تغفل المطالبة بالاصلاح الاقتصادي الفوري ايضاً ورفعت شعارات مختلفة تدعو الى استرداد دور القطاع العام، ايقاف سياسة الاقتراض من البنوك والهيئات الدولية وايجاد الحلول الجذرية لمشاكل الطاقة والمياه وجذب وتشجيع رأس المال الخارجي. شعارات ومطالبات عديدة ومتنوعة رفعت وهتفت بها جموع الشباب في حراك الجمع المتعاقبة والاعتصامات الا انها خلت، تقريبا، من الاصرار على اجراء انتخابات نيابية هذا العام. المنادون بالاصلاح طالبوا ويطالبوا بانتخابات نيابية نزيهة وشفافة توصل الى تمثيل حقيقي للشعب بمختلف فئاته والوانه السياسية والاجتماعية وهم يرون ان الخطوة الاولى لذلك هي في سن قانون انتخاب عصري وعادل وغير اقصائي ولم تحدد الجموع في الشارع زمنا معينا لاجراء الانتخابات فيه، على افتراض نزاهتها، ليضرب الالتزام بذلك التوقيت معيارا رئيسا لنية الحكم في متابعة السير في الاصلاح الحقيقي. قد يحسب ذلك اهتماما بالغا بالجوهر من قبل الحراك على المظهر الخارجي وحساسية التوقيتات، على اهميتها، بحيث تعتبر من المسلمات او المحسنات اللفظية لبيت القصيد الرئيسي وهو الفصل بين السلطات واعادتها للامة كما ينص الدستور. بل ان ملف الانتخابات كله يظهر هزيلا، في نظر البعض، مقارنة بالسمين من ملفات الفساد، والتربح والتغول على المال العام وضياع القرار السياسي والاقتصادي التي لم تعد تحتل مساحات تذكر في التصريحات واللقاءات والاهتمام العام للحكومة الا توظيفا آنياً لقرارات معينة.


الحكم بمؤسساته التنفيذية وبتسويق ممنهج من ادواته الاعلامية واقلام نخب من "الكتيبة" في الاعمدة اليومية الورقية والالكترونية هو من شدد ويشدد على ان اجراء الانتخابات هذا العام هو المعيار الاساس في قياس جدية الدولة في تبني منهج الاصلاح والاستفادة، على حد التعبير، من "فرصة" الربيع العربي. بل ان الحكومة السابقة التي كان لخروجها الدرامي ما كان من اثر في الشارع الاردني سُوّق على انه جاء رداً على التباطؤ المقصود واتهاما لها بمحاولة الاخلال بهذا التوقيت المضروب للانتخابات النيابية. ويأتي الواقع العملي غير مشجع على تبني مثل هكذا موعد نظرا لعدم التوافق على قانون الانتخاب لحد الان ولحداثة تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات التي تحتاج الى مزيد من الوقت لاستكمال بناء اجهزتها التنفيذية والادارية ناهيك عن استكمال لوازم الانتخابات وادواتها ونشر تعليماتها والوسائل الرقابة وفحصها ومشاركتها مع الاطراف المعنية الاخرى.


كل ذلك كان يبرر لصانع القرار التراخي واخذ النفس العميق قبل التشديد على اهمية اجراء الانتخابات قبل نهاية هذا العام بالتحديد، وليس حتى في الشهور الاولى من العام القادم، وعلى انها العلامة الابرز لاثبات نية الحكم في تبني خيار الاصلاح والانفتاح على خيارات تداول السلطة والمشاركة السياسية وعدالة التمثيل الشعبي وغيرها. ما سر هذا الاصرار على مثل هذا التوقيت الحرج، نسبيا، والتخندق وراء موعد قريب يبدو في الاغلب صعب المنال وبعضهم افتى بانه مستحيل وتعليق انظار وآمال العامة والخاصة عليه بشكل قريب من المراهنة في حال ان الكثير، من المطلعين طبعا وقادة الرأي في المجتمع ومؤسسات اعلامية عالمية كبرى، يشكك في جوهر العملية الاصلاحية برمتها ويقول ان الاصلاح الحقيقي غير ممكن في ظل الذهنية القائمة والاستقطاب الاجتماعي وتضارب الرؤية وضبابية المشهد.


ولماذا، وبشكل ملفت، تأتي هذه التصريحات والتأكيدات في سياق مرتبط بلغة ما يعتمدها الحكم مع الغرب بحكوماته ومؤسساته النقدية، الاعلامية والانسانية ؟ فغالبا ما تصاحب موجة التهليل لهذا الشعار، "التطيمني" في ظاهره، زيارة من نوع ما لأمريكا او أوروبا وكأن المقصود بالحديث هو طمأنة تلك الجهات على سير مسيرة الاصلاح في البلد للحفاظ على موقفها الداعم والمؤيد لبنية الحكم وتركيبته وسياساته في ظل "داخل" مضطرب، مشكك وغير راض شرع، في آخر صيحاته، في المطالبة بحل العقد الاجتماعي والبدء من الصفر.

تابعو الأردن 24 على google news