عندما يشكو الملك
فايز الفايز
جو 24 : بصراحة لا نعرف ما هو الموعد المحدد لانتهاء حقبة العصر الحجري الأردني، ولكن ما نعلمه جيدا أن هنالك أعدادا كافية من «الدواليب والاسطوانات وبراغي الشدّ» داخل جسم الإدارة الحكومية اهترأت وتكلّس حولها الصدأ حتى تعطلت وعطلّت دورة الحياة في ماكنة الدولة،ولكنها لا تزال موجودة لأن الجميع قد اعتاد عليها، فأصبحت واقعا مُسلّما به، رغم أن صلاحيتها الفكرية والاجتراحية وجودتها قد انتهت،ولم يعد لديها أي قدرة على العطاء، سوى قدرة التعطيل، وهذا ما ساعد على وصولنا الى هذه المرحلة من البلادة واليأس والتشاؤم لا الإصلاح، ولعل هذا هو أحد الأسباب التي دفعت بجلالة الملك الى إطلاق صرخته من أقصى جنوب الأردن حيث العقبة التي تحولت خلال سنوات الى مجرد «شمة هوا».
من المعروف أن هذا هو زمن السرعة، ومنتج اليوم العالمي الجديد، قد يصبح بعد شهرين أو ثلاثة منتجا قديما، فسرعة الابتكار والتصنيع والجرأة في المغامرة، وطرح المنتج السياسي والاقتصادي والتكنولوجي حول العالم بات أسرع من إنبات شعر الذقن عند مسؤولينا، ومع هذا فليس هناك مادة سياسية أو اقتصادية أو إدارية ارتبطت برئيس أو وزير أو مسؤول ما في الدولة الأردنية منذ عقود طويلة، سوى أصحاب المدرسة الليبرالية الجديدة الذين حاولوا اختراق هيكل الدولة من الزاوية الحرجة حيث «بيت المونة»، ولهذا لم نر أن الخصخصة مثلا كانت هي الحل السحري لمشكلتنا الأزلية، لأنها استخدمت بشكل خاطئ.
انظروا الى نتائج الثانوية العامة، إنها كارثة تعليمية بكل معنى الكلمة، رغم نظرية وزير التربية والتعليم د.محمد الذنيبات الذي جاء متأخرا كالعطّار الذي لم يستطع علاج أمراض الجهاز المزمنة، لقد أرادوا أن يعاملوا أبناء البادية وقرى المحافظات الذين لا يتلقون أي أفضلية في التعليم المدرسي، ويعانون منذ كنا في «مدارس الكُتاب» التي تبعد عن مركز العاصمة عشرين كيلومترا، لا زالوا يعانون من نقص في أعداد المعلمين، وتدني المستوى المهني لدى المعلمين المتوفرين، ومع هذا يضعونهم مع طلاب مدارس أنعم الله عليها بما لم ينعم على بيوت أولئك الصابرين في بطحاء الرمل المنسية، لذلك لا نستغرب أن ما ينوف على مائة مدرسة قروية لم ينجح منها أحد، بل نستغرب أن المسؤولية هي مسؤولية الجميع ولكن العنوان هو «اللهم نفسي».
فلنعد للملك الذي اشتكى قبل عدة أشهر في اجتماع رسمي أنه ليس باستطاعته الوقوف على كل مشكلة صغيرة وكبيرة كي تُحلّ، وضرب مثلاً ساخرا أنه لا يستطيع متابعة مشكلة كل بلدية لا يقوم موظفوها بإصلاح خط مياه الى المواطنين، ولهذا سمعناه في العقبة كيف يشكو من البيروقراطية المتخلفة التي يتبناها كثير من الموظفين العامين بل وبعض المسؤولين الذين يناكفون ويعطلون الاستثمار ومصالح المواطنين لتسجيل مواقف شعبوية ليس لها محل، وأطلق نداءه أخيرا للمواطنين كي يساعدوا مجلس النواب للقيام بمهامه، فيما أعضاءه ليس لديهم حل، ولا حتى الأعيان إذ لا يملكون مبادرة.
أتعلمون لماذا؟ لأن النواب يشتكون للملك، والحكومة تشتكي للملك، والمواطنون يشتكون للملك، وحدهم العسكر الذين لا يشتكون ولا يشكو منهم أحد، يقومون بواجباتهم ومهمات ليست مناطة بهم أصلا، نيابة عن الآخرين، وتجري الدماء في جسد المؤسسة العسكرية، وتتجدد القيادات وتتراكم إنجازتها دون أخطاء بسبب الانضباطية والعقيدة الوطنية، بينما نرى ونسمع شكاوى وزراء لم يحلموا يوما بوظيفة، وهم أحد أسباب التراخي في مؤسساتهم.
إذا أردنا التقدم والخلاص من هذه المرحلة الجبصينية فعلينا أن نغير النهج، وعلى المسؤولين أن يؤمنوا بدولتهم وبقائها، وعلى الحكومة أن تنهي عصر»الكربجة» وعلى المسؤول أن يفهم أن منصبه خدمي لا تشريفي ولا إرث أجداده،وعلى الجميع مواطنون ومسؤولون أن تأخذهم الغيّرة على بلدهم ووطنهم الآمن بوعي الناس، وأن يتعاون الجميع لتغيير النمط العدائي ضد الآخر وتعليم أبنائنا طرق الإنتاج والترويج لا التبذير والطرد.
أترون الى سوريا التي لا يزال الرئيس بشار الأسد يرأس النظام فيها رغم كل ذلك الدمار، ذلك أن هناك جزءا من الشعب لا يزال يؤمن بالدولة هناك، ولهذا فإن خلية حكومية لا تزال تدير المعركة السياسية والإعلامية باحتراف، وهناك قادة عسكريون يقاتلون، ومن الممكن أنهم لا يؤمنون بالرئيس ولكنهم يؤمنون بالدولة.. فهل سأل أهل السياسة عندنا المنشغلون بالإشاعات: ماذا لو سقط الأسد ونظامه اليوم، كيف سيكون حال سوريا وحال إقتصادنا بعدها ؟
لا بد من ثورة بيضاء داخل المؤسسات الرسمية والإقتصادية لتغيير واقعنا الرتيب وهدم الجدران لا إعادة طلائها بألوان أخرى.
Royal430@hotmail.com
(الرأي)
من المعروف أن هذا هو زمن السرعة، ومنتج اليوم العالمي الجديد، قد يصبح بعد شهرين أو ثلاثة منتجا قديما، فسرعة الابتكار والتصنيع والجرأة في المغامرة، وطرح المنتج السياسي والاقتصادي والتكنولوجي حول العالم بات أسرع من إنبات شعر الذقن عند مسؤولينا، ومع هذا فليس هناك مادة سياسية أو اقتصادية أو إدارية ارتبطت برئيس أو وزير أو مسؤول ما في الدولة الأردنية منذ عقود طويلة، سوى أصحاب المدرسة الليبرالية الجديدة الذين حاولوا اختراق هيكل الدولة من الزاوية الحرجة حيث «بيت المونة»، ولهذا لم نر أن الخصخصة مثلا كانت هي الحل السحري لمشكلتنا الأزلية، لأنها استخدمت بشكل خاطئ.
انظروا الى نتائج الثانوية العامة، إنها كارثة تعليمية بكل معنى الكلمة، رغم نظرية وزير التربية والتعليم د.محمد الذنيبات الذي جاء متأخرا كالعطّار الذي لم يستطع علاج أمراض الجهاز المزمنة، لقد أرادوا أن يعاملوا أبناء البادية وقرى المحافظات الذين لا يتلقون أي أفضلية في التعليم المدرسي، ويعانون منذ كنا في «مدارس الكُتاب» التي تبعد عن مركز العاصمة عشرين كيلومترا، لا زالوا يعانون من نقص في أعداد المعلمين، وتدني المستوى المهني لدى المعلمين المتوفرين، ومع هذا يضعونهم مع طلاب مدارس أنعم الله عليها بما لم ينعم على بيوت أولئك الصابرين في بطحاء الرمل المنسية، لذلك لا نستغرب أن ما ينوف على مائة مدرسة قروية لم ينجح منها أحد، بل نستغرب أن المسؤولية هي مسؤولية الجميع ولكن العنوان هو «اللهم نفسي».
فلنعد للملك الذي اشتكى قبل عدة أشهر في اجتماع رسمي أنه ليس باستطاعته الوقوف على كل مشكلة صغيرة وكبيرة كي تُحلّ، وضرب مثلاً ساخرا أنه لا يستطيع متابعة مشكلة كل بلدية لا يقوم موظفوها بإصلاح خط مياه الى المواطنين، ولهذا سمعناه في العقبة كيف يشكو من البيروقراطية المتخلفة التي يتبناها كثير من الموظفين العامين بل وبعض المسؤولين الذين يناكفون ويعطلون الاستثمار ومصالح المواطنين لتسجيل مواقف شعبوية ليس لها محل، وأطلق نداءه أخيرا للمواطنين كي يساعدوا مجلس النواب للقيام بمهامه، فيما أعضاءه ليس لديهم حل، ولا حتى الأعيان إذ لا يملكون مبادرة.
أتعلمون لماذا؟ لأن النواب يشتكون للملك، والحكومة تشتكي للملك، والمواطنون يشتكون للملك، وحدهم العسكر الذين لا يشتكون ولا يشكو منهم أحد، يقومون بواجباتهم ومهمات ليست مناطة بهم أصلا، نيابة عن الآخرين، وتجري الدماء في جسد المؤسسة العسكرية، وتتجدد القيادات وتتراكم إنجازتها دون أخطاء بسبب الانضباطية والعقيدة الوطنية، بينما نرى ونسمع شكاوى وزراء لم يحلموا يوما بوظيفة، وهم أحد أسباب التراخي في مؤسساتهم.
إذا أردنا التقدم والخلاص من هذه المرحلة الجبصينية فعلينا أن نغير النهج، وعلى المسؤولين أن يؤمنوا بدولتهم وبقائها، وعلى الحكومة أن تنهي عصر»الكربجة» وعلى المسؤول أن يفهم أن منصبه خدمي لا تشريفي ولا إرث أجداده،وعلى الجميع مواطنون ومسؤولون أن تأخذهم الغيّرة على بلدهم ووطنهم الآمن بوعي الناس، وأن يتعاون الجميع لتغيير النمط العدائي ضد الآخر وتعليم أبنائنا طرق الإنتاج والترويج لا التبذير والطرد.
أترون الى سوريا التي لا يزال الرئيس بشار الأسد يرأس النظام فيها رغم كل ذلك الدمار، ذلك أن هناك جزءا من الشعب لا يزال يؤمن بالدولة هناك، ولهذا فإن خلية حكومية لا تزال تدير المعركة السياسية والإعلامية باحتراف، وهناك قادة عسكريون يقاتلون، ومن الممكن أنهم لا يؤمنون بالرئيس ولكنهم يؤمنون بالدولة.. فهل سأل أهل السياسة عندنا المنشغلون بالإشاعات: ماذا لو سقط الأسد ونظامه اليوم، كيف سيكون حال سوريا وحال إقتصادنا بعدها ؟
لا بد من ثورة بيضاء داخل المؤسسات الرسمية والإقتصادية لتغيير واقعنا الرتيب وهدم الجدران لا إعادة طلائها بألوان أخرى.
Royal430@hotmail.com
(الرأي)