وزارة الداخلية..لماذا الصمّت !
فايز الفايز
جو 24 :
إكتشف الشعب الأردني فجأة أن هناك حكومة تعمل بسرعة،وهذا عكس ما عشناه طيلة سنوات خلت، ففي ظل حالة الرعب الأوليّ من انتشار الفيروس، بات الأردنيون متسمرون يترقبون ساعة بث المؤتمر الصحفي عبر محطات التلفزة، فنجح وزراء قلّة في طمأنة الناس،وتورط قلة من وزراء تخبطوا فيما لايعنيهم، فيما كان هناك وزراء يعملون دون ضجيج، ولعل وزارة الداخلية وهي ركيزة الحكومات كانت هي الوحيدة التي تدير شؤون محافظات المملكة كلها عبر نموذج حديث ومتطور من التواصل المباشر بين المركز ودور المحافظات عن طريق الإتصالات المتلفزة والاجتماعات اليومية وإنفاذ القانون.
يجلس وزير الداخلية القوي سلامه حماد على عتبة وزارته العتيدة في خلية خاصة لا تهدأ ولا تنام، فالمحافظون والحكام الإداريين يعملون على مدار الساعة، ويتعاون الجميع مع إدارات الأجهزة الأمنية في مناطقهم، ويراقبون التطورات التي تطرأ في كافة مناطقهم، ويتعاملون مع طوارىء الوضع الصحي لحظة بلحظة، وينقطع الموظفون الكبار لإبقاء إدارة الأزمة الخاصة بهم متواصلة على مدار الساعة، فوزارة الداخلية تتمدد في كل محافظة ولواء ومنطقة، وسلسلة التقارير تتوارد فورا عن مستجدات الوضع الأمني والصحي،وكل ذلك بصمت الحيّاء.
وزارة الداخلية تعتبر من أهم مؤسسات الدولة، فكل ملف صغير تحمله يعادل ملفات كاملة لوزارات لم نسمع لوزرائها أي رأي أو شرح عن إنجازاتها، بينما يسترطب الكثير من الوزراء الذين اتضح أن وجودهم وعدمه سيان، وهم ينظرون كيف أن القوات المسلحة والمؤسسة الأمنية قد قامت بواجبات الإسناد الحكومي، ووزراء ينامون في بيوتهم لا يدركون حجم المهمة العظيمة التي قام بها الجيش خدمة للوطن والمواطن، ثم تسمع من هنا وهناك من يغمز ويلمز بدور الدولة العميقة لغاياته الخاصة، ولو كان الوزراء الأقوياء من الإمعات لما وصلنا الى اقتراب نهاية معركتنا مع انتشار الفيروس.
وزارة الداخلية مرّ عليها وزراء كثُر،ولكنها سُجلت على الأقل لشخصيتين استثنائيتين في أزمنة مختلفة وظروف متشابهة، الأول كان المرحوم فلاح المدادحة الذي أرخى سرجه في بداية الستينيات من القرن الماضي، فيما الثاني كان عبر ذات الوزارة لمرات عدة هو سلامه حماد السحيم، الذي لا يعرفه الكثيرون سوى عبر صورة الرجل المتجهم والقوي ومتقطب الحاجبين، ولكن لحسن حظ من يعرفه عن قرب فهو يتمتع بصورة حقيقية تختلف عن صورته عبر الإعلام،فهو حازم بشدة بلا شك،ولكنه من أكثر الرجال مرحاً،وصاحب نكته ويستمتع كثيرا بالتعليقات التي تستخدم صورته فيها،وهو غير"نرفوز".
حماد الذي لا زال يقطن شقته المتواضعة في حي الصويفية منذ كان قرية صغيرة تتبع بيادروادي السير،يبهرك بعمق سرديته التاريخية للإرث الشعبي الأردني، ولمفاصل الدولة التاريخية،ولعشقه للوظيفة العامة وللبيروقراط الأردني الذي يتدخل لحماية الوطن والمواطن عند المنعطفات الخطيرة،ولك أن تطلب منه بيتاً من الشعر فتسمع قصيدة بدوية لا يلحن فيها بلغته الفرنسية.
كثير من الرجال مرّوا على هذه الحكومات ولكن قليل منهم من وقّع ببصمته التي لا يمكن مسحها على سجل إنجازات بسم رجل الدولة الحقيقي، الذي يعمل بصمت ويحفظ خرسانة الدولة من العبث،في زمن يختبىء فيه كثير من الأسماء التي نسيها الناس، وهذا ليس مديحا لرجل اعرفه جيدا وشهادتي مجروحة فيه وعمره الوظيفي قارب الخمسين عاما، بل تعريف بحق وزارة تعمل كوادرها بأقصى طاقاتها،فيما بقية من وزارات تأكد عدم صلاحيتها للبقاء، لم نسمع لها جعجعة ولا نرى لها طحنا.
Royal430@hotmail.com