مُنع من النشر
فايز الفايز
جو 24 :
منع الكتب أوالمقالات السياسية أو العقائدية التي قد يترجمها عقل الرقيب في عقود الستينات والسبيعنات حتى الثمانينات من القرن الماضي بناء على محددات أو برامج عقلية لم تكن تتسع سوى لكلمة نعم بين ملايين الكلمات التي تستنهض الفكر وتشرح الأحوال وتنبه للخطأ وتستدرك ما يجهله جهلاء العلم، وهذا ما كان مقتل الامة العربية ومثلها دول متخلفة في اللاتينية وافريقية وشرق آسيا التي عانت من تجهيل ورق سياسي من الدول الأوروبية التي سمحت لمواطني بلادها حرية التفكير والتعبير والاستشراق وسرقة الأفكار والنظريات العلمية التي وضعها علماء العرب والمسلمين وبنوا عليها نظرياتهم العلمية التي نراها اليوم ، فيما بقينا ننعم بجهلنا ندور حول الساقية.
في هذا الزمن الذي تعيشه بلادنا من ترف الفراغ القاتل، اُستبدلت الكتب بالهواتف الذكية التي علمتنا الغباء والعجز عن استنباط الأفكار وإطلاق الخيال للقبض على أفكار مبدعة تجعل من أجيالنا مجتمعات ذكية وعملية وخلّاقة، واصبحت وسائل التواصل مدارس فاشلة في التنفيس عن الاحتقان النفسي للمواطن العربي الذي بات يكره نفسه ويصدّر الكراهية للغير، فيما لا يزال الكتاب في العالم الغربي شائعا، أكان ورقيا أو الكترونيا، فيما نحن نتفنن بالتقليد وانتاج الهبل والسخافة، وكل ذلك يشير تباطؤ معدلات الذكاء لدى الجيل الذي لم يعد غالبيته يعرف تاريخه ولا تاريخ قوميته ولا نكبات بلاده التي تسبب بها أعداء الأمة .
الكتب السياسية أو التي تعالج قضايا سياسية تتعلق بالصراع ما بين الحق والباطل وما بين الوطنية والعدو، ومنها كتب التاريخ السياسي التي ترصد بحق مراحل الدولة العربية وتفند إرهاصات الواقع المكبل بالعجز في زمن الاستعمار العسكري والاستعمار الأدبي والاقتصادي والتغريب الممنهج للعادات والاخلاق الكريمة ، كانت تلك نجوما ساطعة للعديد من المفكرين والكتّاب الألمعيين الذين أضاؤوا دروب الشباب في مراحل كان الظلام يلف العقلية المستبدة للحكم في سلطويات أعادت مجتمعاتها لعصر الانحطاط ، وانتشلت الكثير من العقول التي تبحث عن المعلومة الحقيقية لا التاريخ المزيف والمستبدل.
اليوم في ظل سعي الدولة لقفزة جديدة في الهواء، نرى أن هناك من يرمي الشباك لاصطياد العقل والرؤية ، ومنع كتاب يتعلق بتاريخ الصراع ما بين الأردن تحديدا وبين إسرائيل كدولة صهيونية لا تزال تشكل تهديدا وجوديا وعسكريا على شعب أصيل في بلاده ، فالفلسطينيون باتوا مصيدة سهلة لجندي غرّ يقتل منهم من يريد دون أن يرف له رمش، ثم لا يحاسب ولا يسجن ولا تقدم للضحية أي كلمة أسف، ورغم كل تقارير المنظمات الحقوقية والإنسانية فلا سائل ولا مجيب لدى سلطة الاحتلال عن ذلك.
لهذا نستغرب منع كتاب مطبوع ومنشور ومتداول يتناول بعلمية محترفة أزمة الصراع ما بين إسرائيل كدولة يهودية والإيمان بالتعاليم الصهيونية وما بين الأردن في حروب يعلمها الجميع ولا زال منهم من شارك فيها حياً، ورغم معاهدة السلام سياسيا فلم تجبر السلطة الأردنية عبر السنوات أي أردني من الانبطاح او التطبيع مع الكيان، وعلينا أن نتذكر أنه حتى قبل أشهر من رحيل رئيس حكومتهم بنيامين نتيناهو والاردن رسميا يعيش حالة عزل لتلك الدولة التي هي موضوع الكتاب.
الدكتور حسن البراري من أفضل المختصين بالشأن الإسرائيلي وهو ينظر من عين وطنية أردنية فلسطينية، و يعالج في أكثر من كتاب مسائل الصراع الإسرائيلي، ومحاضر فذ في القضايا السياسية التي تكشف بوضوح الكثير من الخفايا التي توضح أدوات البناء لمجتمع سياسي متكامل العناصر لمواجهة التحديات التي تعصف بقرارنا أحيانا، ولا ندري كيف مد الرقيب يده ليخرج كتابا بات الجميع يبحث عنه اليوم، فيمنعه، وليس فيه ردة دينية ولا ضرب بأمن المجتمع ولا إضرار بقرار الدولة، ولا يحرض على نشوب حرب مع العدو ، أفلم يقرأوا كتاب الله إذ أنظر الشيطان إبليس حتى يوم القيامة حين عصاه ؟
Royal430@hotmail.com