jo24_banner
jo24_banner

حتى لا نموت جوعاً

فايز الفايز
جو 24 :

لا شك أن كل البشر فوق هذه الأرض اليوم وتعدادهم قارب على 12 مليار نسمة سيكونون أمواتا تحت تراب الأرض بعد مئة عام حتى مواليد هذا العام، وهذا قدرّ الله إلا من أمدّ الخالق بعمره قليلاً، ولهذا لا نجد كثيراً من البشر يفكرون بالموت أكثر من الحياة، مع أننا ندرك أن الموت حق وقد تأتي لحظة المغادرة في أقل من ثوان قليلة، ولكن الله تعالى أخبر أن الإنسان خلق في كَبد، أي مكابدة وقتال مع الوقت والناس لغايات صراع البقاء والعيش، ولهذا نرى منحنيات الحياة الرغيدة وهي تهوي بسرعة الصوت نحو نهاية لا يعلمها إلا الله.

في الأردن عام 1933 و1934 مات ثمانية وتسعون شخصا في المفرق جوعاً، ومثلهم في باقي مناطق الإمارة آنذاك،والسبب كان سنوات القحط وانعدام الغذاء في ظل تخلف كبير وبدائية أدوات الزراعة والصناعة وانعدام المال عند الناس، ما اضطر مثقال الفايز إلى رهن أراض له لصالح المصرف الزراعي في فلسطين عام1934 لأخذ قرض ماليّ بدعم من توفيق ابو الهدى مدير الأراضي حينها، لغايات زراعة آلاف الدونمات التي يمتلكها لتوفير الحبوب، قبل أن يتبعه عدد من الزعامات الأردنية للحصول على المال اللازم.

اليوم في استشراف لمستقبل الحياة في بلدنا الذي أهملنا فيه قطاع الزراعة سنوات طويلة، وجهّلنا أجيالا عريضة من طلبة العلم النظري والأكاديمي، وحولنّا مجتمع القرية الى مجتمع استهلاكي يؤمن مؤنة بيته من المحال التجارية في المدن، وأغرقنا حياتنا في ملاحقة منتجات الصناعة التجارية وانتظار البضائع المستوردة، وفقدنا مقومات الصناعة الوطنية وقتلنا الأرض الخضراء ورمينا بها الى التصحر لصالح المباني التي سطت على أفضل وأغلى سهول الزراعة من أقصى حوران الى أقصى جنوب الكرك، وصلنا الى النتيجة الحتمية، مجتمع فقراء وطبقة رأسمالية جشعة فقط.

في اليابان التي فقدت أفضل أراضيها الزراعية بعد قصفها بالقنبلتين الذريتين الأميركيتين، اضطرت إلى التعايش بطريقة مختلفة فاتجهت الى الصناعة المحترفة حتى غزت العالم بالتكنولوجيا والعلوم وصناعة أفضل السيارات والأجهزة الكهربائية ونافست الولايات المتحدة قبل الصين بكثير،ولكنها عادت لتستصلح الأراضي لزراعة القمح، وعندما عرضت عليها واشنطن إمدادها بالقمح بدلا عن زراعتها له، رفض المسؤولون اليابانيون ذلك، بدعوى أن زراعة القمح هو أحد أهم مبادئ السيادة الوطنية.

اليوم في ظل التوقعات المخيفة لمستقبل العالم ونحن جزء صغير جداً منه، نجد أنفسنا في تحدٍ صعب للغاية مع توفير الغذاء، وعبثاً نقوم بتجميل البشاعة التي خلفتها العولمة الصناعية، ما يستدعي التفكير بطريقة أخرى أهم من توفير النقد الذي قد لا يمكنه توفير الغذاء إذا لم نحافظ على سلة غذاء حقيقية لإبقاء سلسلة التوريد الزراعي طبيعية، ودعم المزارعين لحثهم على الإنتاج دون خوف من الكساد أو استغلال الظروف لرفع أسعار السلع.

عدا الأرز يمكننا أن نعيد انتاج كافة احتياجاتنا الغذائية بالحد المقبول، وارتفاع الطلب عالمياً على الطحين سيسبب أزمة في توفير القمح، وفي دعم الزراعة وتسريع آلياتها وبناء مصانع للتعبئة والتغليف يمكننا من غزو أسواق أوروبا فوراً التي تعتمد على المستوردات الزراعية في أغلبها، وإذا ما بقينا نحصي عدد إصابات كورونا فقد يموت الأردنيون جوعاً رغم توفر المال لعجزنا عن توفير الغذاء، وعلينا أن نعود لحقيقة معيشتنا التي عاشها آباؤنا.

Royal430@hotmail.com

الراي
تابعو الأردن 24 على google news