إحالات القضاة للتقاعد.. خير أم شرّ؟
فايز الفايز
جو 24 : في زمن اللا دولة كان هناك قضاء عرفي شفهي متفق عليه عند أغلبية قبائل البدو الراحلة والغازية، لم ينتظر أولئك البدو قدوم حضارة الدولة لتأتي لهم بقاعات وقضاة ومحامين، بل إن رفاهية الوقت لدى القضاء الرسمي في زمن الدولة العثمانية على الأقل، كان ضربا من العبث لدى أولئك الشعوب شبه الأميّة للتفريط بالحقوق العامة لشعب القبيلة في انتظار مواعيد المحاكمات الطويلة، لذلك استنبطت عدد من القبائل قوانينها القضائية والأحكام الفورية ضمن مفاهيم صارمة، وبقيت تلك النصوص غير المكتوبة متداولة عند قضاة العشائر حتى منتصف القرن العشرين، ولا يتقاعد القاضي إلا بوفاته وغالبيتهم من الشيوخ المبرزّين المشهورين.
اليوم وفي ظل سلطة قضائية تعتبر ركنا أساسا من أركان النظام السياسي للدولة، لا يزال القضاء العشائري متداولاً عند من لا يعرفون البادية في الحواضر ولا يخضعون لسلطان شيخ المشايخ كما كان قبل مئة عام، بل المصيبة أن القانون المدني دعم القانون العرفي العشائري في عدد من القضايا خصوصا القتل وحوادث السير وحفز الناس على مالم يكونوا يعرفونه كالعطوة والجاهة والكفالة، ورغم رحيل الزعماء وأباطرة القضاء البدوي وشيوخهم، فلا زال هناك من يسبحون على شاطىء بحر القضاء العشائري دون إحالة على التقاعد، ومنهم من لا يمكن الاستغناء عنهم، بل تزداد الحاجة لهم ولخبراتهم كلما تقدموا في العمر أكثر.
في الأسبوع الماضي خرجت معلومات متضاربة حول وجبة الإحالات على التقاعد التي استهدفت قامات قضائية رفيعة، وقضاة من مختلف الدرجات في السلك القضائي، ولا نعلم حقيقة ما هي الدوافع التي عجلّت في إحالة البعض، ولكن غالبا ما تخرج الأصوات بعد الفوات، وكالعادة يخرج الكثير من العرّافين والمبصرّين وضاربي الرمل السياسيين ليغرقوا مساحة الحقيقة بمعلومات غير مترابطة، وتمتلىء الصفحات بالتباكي على نزاهة القضاء الذي لا يحتاج لتزكية في الأصل، لأن القاضي العادل النزيه ليس له عديل ولا مثيل، وجائزته هي السمعة الطيبة في الدنيا ومحبة الله له في الآخرة.
وبناءً على العصف الكبير الذي اجتاح مواقع التواصل وهي ليست معلومات رسمية ولا يؤخذ بها كمرجع مُثبت، فقد أصدر المجلس القضائي بيانا توضيحيا حول الكيفية التي صدرت بناءً عليها الإحالات لمن بلغ السبعين عاما، ومن هنا ننطلق الى الفكرة الأساس في الحفاظ على بيت الخبرة القضائية خصوصا في محاكم الدرجة العليا، وهذا ما كتبت عنه خلال سنوات وناقشته ودعمت الحفاظ على مكتسبات القضاة خلاله، فنحن اليوم أحوج ما نكون لأهل الخبرة وأصحاب الطَول في الاستنباط واجتراح الأحكام العادلة، وهذا لا يأتي إلا بدوام السنوات والمزيد من التراكمية المعرفية والمقارنة والغوص في بحر علم المحاكم.
لا شك أن القضاء بحاجة الى دماء جديدة من القضاة الشباب لاستدامة الجيل القضائي المدعوم بالخبرات والعلم والجهبذة، ولكن يحزننا التفريط بقامات يمكن الاستفادة منها أكثر كلما بقوّا أطول فترة في غرف القضاء العليا، وياليت لو استحدث منصب مستشار قضائي حتى لو بلغ الثمانين من العمر، فلا أعتقد أن قاضيا تقاعد بعمر السبعين سيكون خياره فتح مكتب محاماة، فهذا ليس بخير له ولا خير لنا، خصوصا عندما نقرأ من ذاكرة عمالقة القضاء الأردنيين الذين كانوا لا يحيدون عن الحق قيد أنملة.
القضاء النزيه هو حصن الدولة الحصين، فليكن هكذا دائما، وبالمناسبة فلم أدخل بحياتي قاعة محكمة،لا شاكياً ولا مشتكى عليّ، سوى مرة واحدة منتدباً لتحليل نص مقال حوكمّ عليه زميل كاتب أخذ براءة متأخرة، لهذا أدافع عن القضاء ونزاهته المشهودة.
Royal430@hotmail.com
اليوم وفي ظل سلطة قضائية تعتبر ركنا أساسا من أركان النظام السياسي للدولة، لا يزال القضاء العشائري متداولاً عند من لا يعرفون البادية في الحواضر ولا يخضعون لسلطان شيخ المشايخ كما كان قبل مئة عام، بل المصيبة أن القانون المدني دعم القانون العرفي العشائري في عدد من القضايا خصوصا القتل وحوادث السير وحفز الناس على مالم يكونوا يعرفونه كالعطوة والجاهة والكفالة، ورغم رحيل الزعماء وأباطرة القضاء البدوي وشيوخهم، فلا زال هناك من يسبحون على شاطىء بحر القضاء العشائري دون إحالة على التقاعد، ومنهم من لا يمكن الاستغناء عنهم، بل تزداد الحاجة لهم ولخبراتهم كلما تقدموا في العمر أكثر.
في الأسبوع الماضي خرجت معلومات متضاربة حول وجبة الإحالات على التقاعد التي استهدفت قامات قضائية رفيعة، وقضاة من مختلف الدرجات في السلك القضائي، ولا نعلم حقيقة ما هي الدوافع التي عجلّت في إحالة البعض، ولكن غالبا ما تخرج الأصوات بعد الفوات، وكالعادة يخرج الكثير من العرّافين والمبصرّين وضاربي الرمل السياسيين ليغرقوا مساحة الحقيقة بمعلومات غير مترابطة، وتمتلىء الصفحات بالتباكي على نزاهة القضاء الذي لا يحتاج لتزكية في الأصل، لأن القاضي العادل النزيه ليس له عديل ولا مثيل، وجائزته هي السمعة الطيبة في الدنيا ومحبة الله له في الآخرة.
وبناءً على العصف الكبير الذي اجتاح مواقع التواصل وهي ليست معلومات رسمية ولا يؤخذ بها كمرجع مُثبت، فقد أصدر المجلس القضائي بيانا توضيحيا حول الكيفية التي صدرت بناءً عليها الإحالات لمن بلغ السبعين عاما، ومن هنا ننطلق الى الفكرة الأساس في الحفاظ على بيت الخبرة القضائية خصوصا في محاكم الدرجة العليا، وهذا ما كتبت عنه خلال سنوات وناقشته ودعمت الحفاظ على مكتسبات القضاة خلاله، فنحن اليوم أحوج ما نكون لأهل الخبرة وأصحاب الطَول في الاستنباط واجتراح الأحكام العادلة، وهذا لا يأتي إلا بدوام السنوات والمزيد من التراكمية المعرفية والمقارنة والغوص في بحر علم المحاكم.
لا شك أن القضاء بحاجة الى دماء جديدة من القضاة الشباب لاستدامة الجيل القضائي المدعوم بالخبرات والعلم والجهبذة، ولكن يحزننا التفريط بقامات يمكن الاستفادة منها أكثر كلما بقوّا أطول فترة في غرف القضاء العليا، وياليت لو استحدث منصب مستشار قضائي حتى لو بلغ الثمانين من العمر، فلا أعتقد أن قاضيا تقاعد بعمر السبعين سيكون خياره فتح مكتب محاماة، فهذا ليس بخير له ولا خير لنا، خصوصا عندما نقرأ من ذاكرة عمالقة القضاء الأردنيين الذين كانوا لا يحيدون عن الحق قيد أنملة.
القضاء النزيه هو حصن الدولة الحصين، فليكن هكذا دائما، وبالمناسبة فلم أدخل بحياتي قاعة محكمة،لا شاكياً ولا مشتكى عليّ، سوى مرة واحدة منتدباً لتحليل نص مقال حوكمّ عليه زميل كاتب أخذ براءة متأخرة، لهذا أدافع عن القضاء ونزاهته المشهودة.
Royal430@hotmail.com