jo24_banner
jo24_banner

الإصلاح يغيب من غير عمالة وطنية

ابراهيم غرايبة
جو 24 : إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة ليس فقط عملية مواجهة للبطالة، ونزف التحويلات المالية إلى الخارج، ولكنه ركن أساسي في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، أعمق بكثير من فرص الوظائف والوفر المالي.
ولا أريد اليوم أن أقف عند تصريح وزير العمل عن القوى التي تواجه توطين العمالة وتشجع العمالة الوافدة. وأظن أن هذه القوى ليست الحركة الإسلامية، ولا المعارضة السياسية. وبصراحة وصدق، فإني أتمنى لو يطالب الإخوان المسلمون والمعارضون السياسيون باستقبال العمالة الوافدة وتفضيلها على العمالة الوطنية، فربما يكون ذلك فرصتنا الكبرى لتتحرك الحكومة وتدبّ فيها الحمية، فمن الواضح أن حكوماتنا لا يحركها ولا يحمسها إلا مواجهة المعارضة السياسية وإفشالها، وهذه أيضا قصة أكثر عمقا وخطورة. ففي سؤال العدو والصديق الذي تقوم عليه السياسات والاستراتيجيات، ما تزال السلطة التنفيذية ترى العدو والخصوم جماعات وقوى لم تعد موجودة أو انسحبت من مربع العداوة والخصومة، ولا تريد أن ترى في الفساد والفقر والفجوة الاقتصادية وغياب المساواة عدوا. والواقع أنه بغير إعادة البحث عن إجابة أخرى للسؤال "من العدو ومن الصديق؟"، فإن السلطة التنفيذية والمعارضة السياسية أيضا ستظلان تقاتلان طواحين الهواء!
ماذا يعني غياب العمالة الوطنية عن أعمال الزراعة والبناء بالتحديد؟ فهذان القطاعان مرتبطان على نحو وثيق وعميق بالاقتصاد والثقافة والتخطيط الحضري والاجتماعي.
ففي غياب العمالة الوطنية عن الزراعة تغيب العلاقة مع المكان، وتنتهي رواية الانتماء إلى المكان والطبيعة والجبال والسهول والأودية والبوادي والغابات والزهور... وهي الثقافة المنشئة للدول والحضارات على مدى التاريخ والجغرافيا. وهكذا تصاب الهوية الوطنية والثقافة الجامعة للناس وعلاقتهم بالمكان والمجتمع والتاريخ بضربة قاصمة؛ إذ يتحول المكان إلى مجرد سلعة مثل الأدوات المنزلية المستوردة على سبيل المثال.
وتغيب أيضا التجمعات الحضرية والاجتماعية حول الزراعة، ولا يعود ثمة حاجة للإقامة في البلدات والمناطق الزراعية لأنها لم تعد موردا اقتصاديا، وتكون الإقامة فيها كما هو الحال لمن لا يستطيع الإقامة في عمان والمدن الجاذبة للأعمال، والعلاقة بها مجرد مأوى يقصده أصحابه العائدون من المدن في المساء المتأخر كل يوم. وتغيب، بطبيعة الحال، المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المرتبطة بهذه البلدات، كالنوادي والمكتبات والجمعيات والتعاونيات.
ولا يمكن أيضا تطوير الزراعة لتواكب التقنيات الزراعية العالمية، ولا أن تنشأ حولها صناعات أخرى تعظم قيمتها، مثل الصناعات الغذائية والدوائية والجلود والأحذية والعطور والأثاث، لأن هذه المشروعات تنشئها مراكز حضرية ونخب وقيادات اقتصادية واجتماعية متوطنة في هذه المراكز ومرتبطة بها، وتتشكل وتتطور في تراكم طويل ومعقد ومليء بالتفاصيل والخبرات والتجارب القائمة على معايشة وعمل يوميين، ومبادرات ومغامرات لا يمكن بطبيعة الحال للعمالة الوافدة أن تفكر فيها.
والأمر نفسه يمكن ملاحظته في غياب العمالة الوطنية عن البناء، وتلك مقالة أخرى."الغد"
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير