بعيداً عن السياسية..المثقفون ضمير الأمة!
عظيمة هي الأمة التي تتفيأ ظلال شجرة زرعتها، وتشرب من ماء استمطرته من ريف عيونها، وتلبس من حصاد أنوالها، وتصطلي وهج نار أوقدتها بما يكفي لإنارة الدرب وإشاعة الدفء. وعظيمة هي الأمة التي لا تنسى الفرح وهي تعاني من الجرح ولا تغيب البسمة عن شفاهها وهي محاطة بالحزن، فتغدو « الآه» عندها حادي غناء وأنين موجوع، وهكذا تظل تحمل الألم وتتمرغ بالسعادة في آن واحد. وعظيمة هي الأمة التي تقلع الأشواك بأصابع من حرير، فلا يعود الشوك يؤذي ولا يعود الإصبع يتأوه. وإلا فكيف نفسر استشرافات الخلود للأمم التي سبقت والتي سطرت تاريخاً يليق بها وبمكانتها وبهيبتها.
والأمة هي نتاج تزاوج الحضارة والتاريخ والثقافة والفن والقدرة والقوة، وهي تفاعل بين عطاء الفرح ومساحات الحزن، وتناغم بين الألوان والأطياف، وهي في مجمل وجودها خلق متجدد ونماء متواصل متكامل الأجزاء والأطراف. وإذا ما تعطل أحدها وقفت المسيرة وتلكأت، وتعثرت الخطوات وارتبكت حتى يعود ذلك التناسق.
ومن خلال استطلاعي وقراءتي للأوراق الثقافية للمبدعين في هذا الوطن، وجدت أن هناك وحدة عضوية تربط بينهم ، فكراً وممارسة. بحيث لم تكن الثقافة ذات قدرة على العيش دون ان ينير لها المثقفون طرق التقدم والمجد، وأن يرشدوا الأمة إلى مساكن الفكر ومواقع الوجود واثبات الوجود.
إن الثقافة بجميع صورها هي المكون الأول للحضارة، وهي بجميع عناصرها التأسيس لكل بناء يمكن أن يرتفع ليصنع الوطن والمواطن والانتماء والولاء. فالثقافة سواء كانت فناً أو موسيقى أو رسما أو نشرة أدبية أو وسيلة إعلامية، تعمل كلها في سياق واحد لبناء الدولة وإعطائها الهوية والمعنى والصورة المميزة لها.
ومن هناك فإن ما القي على عاتق المثقفين منذ بدء التاريخ كانت مهمة صعبة وخطيرة ومصيرية، فبيدهم أن يرسموا ضمير الأمة، وبيدهم أن يصنعوا مبادئ المواطن وبيدهم أن يجدوا الاتجاه وإن يقيموا الصرح.
أرجو أن لا يفهم عن كلامي هذا أنني أتحدث عن نمط ثقافي معين، وإنما أتحدث عن كل أنواع الثقافة وكل أطيافها التي يموج بها الأردن، منذ أن فتح التاريخ عينيه عليها ومنذ أن كانت مرتعاً للحضارات قديمها وحديثها، ماضيها ومستقبلها. ولم يكن الأردن منذ تكونه إلا ملعب صبا الأقدار، ومهوى أفئدة الناس، وملتقى حضاراتهم وأفكارهم. وعلى هذا يجب أن يبنى المثقفون جهدهم، وانطلاقاً منه يجب أن يحددوا مناهجهم وعطائهم. وعلى العاملين في بقية ميادين المجتمع أيضاً أن يدركوا أنهم دون ثقافة، سيغدون آلات تدور دون هدى، ويصبحون كحاطب ليل لا يدري ماذا تجمع يداه.
أن المجتمعات هي تكوينه بشرية متكاملة، أطرافها كل عناصر النفس الإنسانية، وجوهرها ذلك العقل الذي يعمل على إقامة تواصل بين جميع الأجزاء.
Almajali74@yahoo.com
الراي