وزارة جديدة ..!
من المتوقع ان ندرك كلنا في الاردن ان النظام السياسي عندنا، وبالتالي الدولة تقوم على مجموعة من الثوابت والمرتكزات، منها ثوابت جاءت مع التأسيس، وثوابت ترسخت بالتجربة والممارسة الطويلة، وثوابت هي في طورها لتترسخ، وممارسات مرشحة لأن تكون ارهاصات وأن تصبح ثوابت، وهذه في مجموعها تشكل الاستراتيجية العامة للدولة الاردنية.
وعلى هذا الاساس يجب علينا ان نفهم معنى التغييرات الوزارية التي يتهمنا البعض بأنها تتوالى بسرعة. فالتغيير او التعديل في الفهم السياسي الاردني يعني تعديلاً في المنهجية او الاسلوب او ما تطلق عليه الادبيات السياسية مصلح «التكتيك». وهذا امر يجري في كل الدول ذات الرؤية الحضارية، والتي تلتقط اللحظة التاريخية او المرحلة السياسية، فتعدل من اسلوبها وادواتها في سبيل الإستقرار على التوجه نحو تحقيق الاهداف العامة والاستراتيجيات . ودليل ذلك ان الأردن لم يشهد اية وزارة غيرت في الثوابت، أو عدلت في المرتكزات، وإنما كل ما كان يجري ولا يزال هو أن مراحل التطور والتغيير، داخلياً واقليمياً ودولياً، تحتاج الى تطوير في اسلوب الاداء وتغيير في إستخدام الادوات والإنتقال من خيار الى آخر، ولكن دون الخروج عن الدرب الذي تسلكه الدولة الاردنية مهتدية بالخطوط العامة وملتزمة بها.
فمنذ ان كانت الدولة الاردنية والعالم يشهد انها جاءت على صيغة الدولة الوسطية والمعتدلة، والراشدة والملتزمة بضرورة عدم التدخل في شؤون الاخرين، والاندفاع بدون تردد نحو التعاون في سبيل الوصول بالإنسانية الى بر السلامة، والتضحية بالخاص في سبيل العام.
ومنذ ان كانت المملكة، ونحن نعيش حالة من التوافق على اهمية المحافظة على النسيج الداخلي للدولة، والبناء المتكرر والمتعالي للوحدة الوطنية ، والإلتزام بمذهبية الاسلام والعروبة. لذا فإن الوطن الاردني، مع الوعي لكلمة وطن، هو صورة متكاملة للدولة المتناغمة، والآخذة بالعقد الإجتماعي الذي توافق على ان الحاكم والرعية قد إندمجا فيما بينهما فاصبح الملك فرداً اردنياً يحمل مسؤولية ضخمة، واصبح الفرد الاردني ملكاً في تملك حقوقه، مندفعاً نحو دوائر الولاء والمحبة والعشق لهذه القيادة. وهذه حالة نادرة إحتاجت الى جهد ضخم، كان دافعه ايماناً وعقيدة دينية وفكرية وحضارية وثقافية، مثلته العائلة الهاشمية التي اسست مدرسة في الحكم منذ اليوم الاول لقيام دولة المدينة المنورة يقودها سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا فان اي تغيير وزاري هو حادث في الاردن لا يتعدى ان يكون ارتفاعاً في البنيان على ما اسس، ومحاولة لإعادة قراءة بعض الطروحات الجديدة التي تفرضها، كما ذكرنا، التطورات والتغييرات والتحولات الداخلية والإقليمية والدولية. وهذه بالضرورة تعني الإستعانة ببعض من خيرة ابناء البلد ليساهموا في هذه المواكبة.
يقارننا بعض المراقبين والقارئين السياسيين، خاصة في الإقليم العربي بغيرنا من الدول العربية الشقيقة التي تبقي الوزارات لمدة طوية، على اساس ان هذا يجعل المسؤول مطمئناً لانه يملك الوقت الكافي لإنجاز برامجه، ولكن المدرسة الاخرى التي نحن عليها تقول ان التجمد كثيراً ما يستنفد من المسؤول الجهد، فيأتي وقت لن يعود قادراً فيه على التجديد، هذه واحدة، اما الثانية فإن في تلك الاطالة حرماناً من الافادة من خبرات رجال آخرين، مؤهلين لان يطوروا وان يجددوا وان يطرحوا برامج وقراءات جديدة، تثري التجربة وتؤدي الى مزيد من التنوع في الخيارات، ناهيك عما قلت حول ضرورة مواكبة التطورات المحلية والاقليمية والدولية.
اننا واثقون ان الوزارة الجديدة برئاسة دولة الدكتور عبدالله النسور، وفريقه الوزاري المشهود له بالكفاءة والإقتدار، ستواصل الجهد الذي بدأ منذ ان تأسست الدولة، وإن هذه الحكومة ستضيف الى البناء الذي يقود العمل فيه، ملك خبر الحكم منذ ان كان يافعاً، ودخل في النسيج العام للدولة، وقرأ كل اركان ممارساتها. ولهذا فإننا لا نتحسس من التغيير ولا ننظر اليه إلا في المعنى الذي ذكرنا والرؤية التي اوردنا، والله ثم الأردن وإستقراره وأمنه و نظام حكمه من وراء القصد.
Almajali74@yahoo.com
الراي