هل يصلح الفقر عدوا للحكومة والإخوان المسلمين؟
ابراهيم غرايبة
جو 24 : السلوك السياسي والإعلامي للحكومة والإخوان المسلمين يؤشر على تواطؤ بين الطرفين على تغييب الإصلاح، والإصرار على مواجهة منفصلة عن الواقع وممعنة في المتاهة!
من العدو ومن الصديق؟ يبدو أن السؤال على بساطته وبداهته مربك لنا اليوم، ولكن السؤال على رغم بساطته يفترض إعادة النظر في السياسات والروايات والأفكار الجامعة للمواطنين.
فالمعارضة السياسية لم تعد عدواً، وعندما أضعفت وهمشت، وفي موجة التمكين للشركات ومدعي الاستثمار، صار العدو هو المجتمعات والناس "الغلابة". ولكن الحقيقة التي تدركها نخب طفيلية تحظى بمكاسب هائلة وغير مشروعة من خيرات البلاد، وبغطاء وحماية سياسيين، أنها أصبحت عدو الناس والنظام السياسي أيضاً، وهي تهرب من لحظة قادمة (حتمية على الأرجح)، لكنها تحاول في الوقت الضائع خلق أعداء جدد.
هكذا، أصبح الصراع اليوم يبدو دفاعاً عن مجاهيل ونكرات وأقارب وأصدقاء وأتباع وشلل، يتبوأون المناصب والوظائف العامة، وبمزايا ومكاسب خرافية، بدون تنافس عادل وواضح. كما أنه (الصراع) دفاع عن مزايا وتسهيلات واحتكارات لأفراد وشركات وغرباء، وعن تشريعات جائرة وضعت لمصلحة فئة محدودة ومعزولة.
لماذا يُزج بالناس والمجتمعات إلى حالة ومواقف لا يجدون أنفسهم فيها، وإلى مواجهة لا ناقة لهم فيها ولا جمل؛ فلا مصلحة للدولة والنظام السياسي في عدم الإصلاح ووقف التجاوزات والمظالم والفساد، ولا أحد يريد ذلك؟ لماذا يريد البعض حشر التاريخ السياسي للدولة والنظام السياسي في التحالف مع فنادق واحتكارات وعقارات وأسهم؟ لماذا يريدون بإصرار أن يستدرجوا الناس ويجروهم رغم أنوفهم وإرادتهم إلى العداوة والمواجهة؟ لماذا يريدون تحويل المعارضة السلمية والعمل الإصلاحي إلى عداء وكراهية وانقسام وفتن وشجارات؟
المسألة ببساطة هي أن الولاء السياسي والشخصي كان (وما يزال) سلعة يمكن احتكارها، كما يحتكر توزيع وتوريد السلع والخدمات. وهكذا، فإن التحولات تبدو في نظر هؤلاء (الأولياء) ضياعاً للموارد والاحتكارات والاستثمارات.
تفاعل الإخوان المسلمين والحكومات المتعاقبة مع المطالب الإصلاحية يعكس الرغبة الواعية والإصرار على حرف الأزمة عن همومها الاقتصادية والاجتماعية، وتحويلها إلى قصة خرافية منفصلة عن الواقع؛ وكأن المديونية والفساد وانهيار الخدمات العامة الأساسية والبطالة والديمقراطية والحريات.. وكل المطالب والقضايا الأساسية، متصلة بقانون الانتخاب!
الحكومة أيضاً لم تقدم مبادرة حقيقية وواضحة للمراجعة والإصلاح، وتريد أن تُفهمنا الأزمة وكأنها حول أسعار المواد الأساسية، بدون ملاحظة للسياسات والتشريعات الضريبية، وبدون مساس حتى الآن بحجم الشللية والقرابية والفساد في التعيينات والاختيار للوظائف العليا والعادية، وبدون مراجعة عمليات توزيع الإنفاق والموارد، وآليات توزيع المكاسب والمنافع، وبدون بيان واضح ومحدد للموارد العامة وتوزيعها، أو اقتراب من كيفية توزيع العطاءات والتوريدات، ومنافع المقاولين، وكيف يجري الاختيار والمنح والعطاء والحرمان والاستبعاد. والشركات لم تقدم مبادرة للمسؤولية الاجتماعية أو الشراكة في الاستثمار مع المجتمعات.
هذا الإصرار على الحلول الإعلامية للأزمات والتحديات الكبرى ليس أكثر من إهانة واستفزاز للمواطنين؛ فتصحيح الخلل بين إدارة الموارد العامة والاحتياجات والأولويات الحقيقية وعدالة التوزيع، لا علاقة له بكل ما تفعله الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين. ولم يعد ممكناً استيعاب موجة المطالبة بالإصلاح الاقتصادي والسياسي بمعارك وقضايا جانبية، وحملات إعلامية، واستعراضات بانورامية. وأعتقد أن الحكومات تعمل ضد نفسها بتجاهلها المطالب والقضايا الحقيقية، وانشغالها وإشغالها الناس بحصاد الهشيم. والمجتمعات والأحزاب أيضاً تعمل ضد نفسها إذا رأت الموجة القائمة فرصة لمطالب واستعراضات بعيدة عن القضية الأساسية التي يتجمع حولها الناس اليوم.
فالناس يتطلعون اليوم إلى تنظيم الموارد والضرائب والفرص على أساس عادل، والارتقاء بالخدمات العامة. وهي قضية يجب أن تفهمها بجدية وصدق النقابات المهنية، والأحزاب، والشخصيات، والشركات، والحكومات؛ فلا تقدم النقابات والمعارضات باحتفالاتها وتظاهراتها للمتطلعين نحو الحرية والعدالة الاجتماعية سوى الأفيون والوهم، وأولى بها أن تنشغل بالعمل والضمان الاجتماعي والضرائب والتأمين الصحي للمجتمعات والبلاد. والحكومة تضيع وقتها إن لم تراجع فوراً جميع التعيينات في السفارات والوظائف العليا والعامة، وتراجع العقود والعطاءات والتوريدات وعمليات البيع والخصخصة، والمؤسسات المستقلة، وتوزيع الموارد العامة والإنفاق، وقوانين وأنظمة الضرائب مهما كان الثمن.
القضية ببساطة هي العدالة، ولا مناص من مواجهة هذا الاستحقاق الإصلاحي. وبغير ذلك، فإننا نلعب في الوقت الضائع."الغد"
من العدو ومن الصديق؟ يبدو أن السؤال على بساطته وبداهته مربك لنا اليوم، ولكن السؤال على رغم بساطته يفترض إعادة النظر في السياسات والروايات والأفكار الجامعة للمواطنين.
فالمعارضة السياسية لم تعد عدواً، وعندما أضعفت وهمشت، وفي موجة التمكين للشركات ومدعي الاستثمار، صار العدو هو المجتمعات والناس "الغلابة". ولكن الحقيقة التي تدركها نخب طفيلية تحظى بمكاسب هائلة وغير مشروعة من خيرات البلاد، وبغطاء وحماية سياسيين، أنها أصبحت عدو الناس والنظام السياسي أيضاً، وهي تهرب من لحظة قادمة (حتمية على الأرجح)، لكنها تحاول في الوقت الضائع خلق أعداء جدد.
هكذا، أصبح الصراع اليوم يبدو دفاعاً عن مجاهيل ونكرات وأقارب وأصدقاء وأتباع وشلل، يتبوأون المناصب والوظائف العامة، وبمزايا ومكاسب خرافية، بدون تنافس عادل وواضح. كما أنه (الصراع) دفاع عن مزايا وتسهيلات واحتكارات لأفراد وشركات وغرباء، وعن تشريعات جائرة وضعت لمصلحة فئة محدودة ومعزولة.
لماذا يُزج بالناس والمجتمعات إلى حالة ومواقف لا يجدون أنفسهم فيها، وإلى مواجهة لا ناقة لهم فيها ولا جمل؛ فلا مصلحة للدولة والنظام السياسي في عدم الإصلاح ووقف التجاوزات والمظالم والفساد، ولا أحد يريد ذلك؟ لماذا يريد البعض حشر التاريخ السياسي للدولة والنظام السياسي في التحالف مع فنادق واحتكارات وعقارات وأسهم؟ لماذا يريدون بإصرار أن يستدرجوا الناس ويجروهم رغم أنوفهم وإرادتهم إلى العداوة والمواجهة؟ لماذا يريدون تحويل المعارضة السلمية والعمل الإصلاحي إلى عداء وكراهية وانقسام وفتن وشجارات؟
المسألة ببساطة هي أن الولاء السياسي والشخصي كان (وما يزال) سلعة يمكن احتكارها، كما يحتكر توزيع وتوريد السلع والخدمات. وهكذا، فإن التحولات تبدو في نظر هؤلاء (الأولياء) ضياعاً للموارد والاحتكارات والاستثمارات.
تفاعل الإخوان المسلمين والحكومات المتعاقبة مع المطالب الإصلاحية يعكس الرغبة الواعية والإصرار على حرف الأزمة عن همومها الاقتصادية والاجتماعية، وتحويلها إلى قصة خرافية منفصلة عن الواقع؛ وكأن المديونية والفساد وانهيار الخدمات العامة الأساسية والبطالة والديمقراطية والحريات.. وكل المطالب والقضايا الأساسية، متصلة بقانون الانتخاب!
الحكومة أيضاً لم تقدم مبادرة حقيقية وواضحة للمراجعة والإصلاح، وتريد أن تُفهمنا الأزمة وكأنها حول أسعار المواد الأساسية، بدون ملاحظة للسياسات والتشريعات الضريبية، وبدون مساس حتى الآن بحجم الشللية والقرابية والفساد في التعيينات والاختيار للوظائف العليا والعادية، وبدون مراجعة عمليات توزيع الإنفاق والموارد، وآليات توزيع المكاسب والمنافع، وبدون بيان واضح ومحدد للموارد العامة وتوزيعها، أو اقتراب من كيفية توزيع العطاءات والتوريدات، ومنافع المقاولين، وكيف يجري الاختيار والمنح والعطاء والحرمان والاستبعاد. والشركات لم تقدم مبادرة للمسؤولية الاجتماعية أو الشراكة في الاستثمار مع المجتمعات.
هذا الإصرار على الحلول الإعلامية للأزمات والتحديات الكبرى ليس أكثر من إهانة واستفزاز للمواطنين؛ فتصحيح الخلل بين إدارة الموارد العامة والاحتياجات والأولويات الحقيقية وعدالة التوزيع، لا علاقة له بكل ما تفعله الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين. ولم يعد ممكناً استيعاب موجة المطالبة بالإصلاح الاقتصادي والسياسي بمعارك وقضايا جانبية، وحملات إعلامية، واستعراضات بانورامية. وأعتقد أن الحكومات تعمل ضد نفسها بتجاهلها المطالب والقضايا الحقيقية، وانشغالها وإشغالها الناس بحصاد الهشيم. والمجتمعات والأحزاب أيضاً تعمل ضد نفسها إذا رأت الموجة القائمة فرصة لمطالب واستعراضات بعيدة عن القضية الأساسية التي يتجمع حولها الناس اليوم.
فالناس يتطلعون اليوم إلى تنظيم الموارد والضرائب والفرص على أساس عادل، والارتقاء بالخدمات العامة. وهي قضية يجب أن تفهمها بجدية وصدق النقابات المهنية، والأحزاب، والشخصيات، والشركات، والحكومات؛ فلا تقدم النقابات والمعارضات باحتفالاتها وتظاهراتها للمتطلعين نحو الحرية والعدالة الاجتماعية سوى الأفيون والوهم، وأولى بها أن تنشغل بالعمل والضمان الاجتماعي والضرائب والتأمين الصحي للمجتمعات والبلاد. والحكومة تضيع وقتها إن لم تراجع فوراً جميع التعيينات في السفارات والوظائف العليا والعامة، وتراجع العقود والعطاءات والتوريدات وعمليات البيع والخصخصة، والمؤسسات المستقلة، وتوزيع الموارد العامة والإنفاق، وقوانين وأنظمة الضرائب مهما كان الثمن.
القضية ببساطة هي العدالة، ولا مناص من مواجهة هذا الاستحقاق الإصلاحي. وبغير ذلك، فإننا نلعب في الوقت الضائع."الغد"