لنتعلم من أشقائنا المصريين
من المؤكد أن غالبية من أبناء الشعب المصري الشقيق لم يكونوا يعرفون أي تفاصيل عن جزيرتي تيران وصنافير، بل إن منهم لم يكن قد سمع بها من قبل، وهذا الاستنتاج هو ما كان حاصل نقاشات في جميع وسائل الإعلام المصري ومواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك النقاشات التي استغلتها محطات عالمية للحديث عن ردود فعل الشارع المصري حول الاتفاق المصري السعودي بإعتبار الجزيرتين ملكا للسعودية خرج مؤقتا ثم عاد مجددا ، لذلك بات من الغريب والعجيب لكل من يتحدثون عن وحدة الأمة والمصير الواحد، والسعي نحو تحطيم حواجز الحدود السياسية والإقتصادية ، كيف يؤججون لصراع جديد مع السلطة الحاكمة في مصر بسبب الجزر، وهي التي لا تساوي في الميزان الإستراتيجي والمادي كثيرا من القيمة المادية.
خلال ثلاث سنوات مضين ، قدمت السعودية وشقيقاتها الإمارات والكويت لمصر مساعدات لم يكن أحد يتوقعها أو يحلم بها، فقد وصل حجم المساعدات المالية المباشرة كمنح ومشاريع وودائع ، ما يزيد على 27 مليار دولار ، حصة السعودية منها اقترب من 11 مليار دولار ، وكانت الزيارة الأخيرة للملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة،غيرالمسبوقة، جردة حساب للعلاقات الثنائية بين البلدين الأكبر والأهم في العالم العربي ، وأعلن خلالها عن نية إقامة جسر الملك سلمان على عنق خليج العقبة وهو إن كتب له رؤية النور، سيكون خطة إستباقية لأي مشكلة مرور بحري عبر مضيقي باب المندب وهرمز، وكنت قد كتبت عنه هنا قبل ثلاث سنوات.
في الإعلام العربي وللأسف لا يوجد هناك طرح موضوعي خارج صندوق المصالح للفضائيات الموجهة من قبل الدول ، وهذا يقودنا الى المسؤولين السياسيين الذين يقررون السياسة لبلادهم ، ويدسون الغايات بقصاصات ورق للإعلام ، لهذا لا نجد الكثير من حسن النوايا والبحث عن آفاق التعاون العربي المشترك للخلاص من هذا الوضع المتردي، لهذا أصبح كبار مسؤولي الدول العربية يعتمدون على ما تقوله وسائل الإعلام مما تسميه تسريبات تحمل انتقادات لهذه الدولة أو تلك ، ولا يعتمد الكثير منهم على المفاتحة المباشرة مع الأشقاء لفهم ما يجري وما يحدث وما يقال حقيقة ، ولعل المظاهرات التي اجتاحت مصر خلال الأسبوعين الماضيين كانت نتيجة لعدم الشفافية الرسمية.
الرياض مثلا قدمت للأردن في نهاية عام 2015 مليار دولار دعما مباشرا للخزينة ، ولعلها الوحيدة التي تلتزم بوعودها رغم تباين وجهات النظر حول القضايا الإقليمية ، ولا تزال العلاقات بين المملكتين على الصعيد الرسمي جيدة ، رغم ما جرى الحديث عنه حول القمة الخليجية الأخيرة في الرياض، التي شارك فيها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لترطيب الأجواء المتوترة ما بين مجلس التعاون الخليجي وواشنطن، وكذلك ملك المغرب الذي حضر وأخذ دعما سياسيا خليجيا للرباط في ملف القضية الصحراوية.
ما نحتاجه اليوم في الأردن هو المزيد من الشفافية في تصريحاتنا وعلاقاتنا مع محيطنا العربي والإقليمي، فمشكلتنا الإقتصادية كان أهم أسبابها الحرب في سوريا والوضع الأمني المتردي في العراق،
و الزيادة المفرطة في عجز الموازنة ، وعدم توفير المساعدات الكافية للاجئين السوريين، والتي جعلت الأردن يتحمل ما ينوء به الحمل ، ومع هذا لا يزال الأردن عسكريا هو الأول في الاستعداد والأول في التأهب والقيام بواجبه.
إن عدم وصول الاستثمارات الكبرى ليست هي المشكلة الأساسية بل خروج الإستثمارات من هنا الى دول أخرى وعلى رأسها مصر هي المشكلة ، وكانت شكوى الجميع هي عدم تحمل ضرائب جديدة وتعقيدات رسمية فهل نسعى الى جلب الأموال من الغيب لنسمح للعصافير التي بين أيدينا أن تطير ، من هنا يبدو علينا فعلا أن نسافر الى القاهرة لنتعلم من أشقائنا المصريين، كيف يديرون أزماتهم الإقتصادية، وكيف يجلبون كل هذا المليارات من دول تختلف سياستها معهم ومع الداعمين الآخرين.الراي