jo24_banner
jo24_banner

الأمن الوطني القائم على التمدن

ابراهيم غرايبة
جو 24 : عندما يكون كل من العنف والتطرف والإرهاب منبوذا ومكروها في المجتمع، ينحسر ويكاد يختفي، ويقتصر على الغرباء والمتسللين والحاقدين، ويغدو أمرا تسهل مواجهته ومحاصرته. وفي جميع الأحوال، فإننا نستطيع أن نقلل العنف بنسبة كبيرة جدا بمنظومة التمدن والسلوك المدني الذي يحمي المدن ويرتقي بها ويجعلها بيئة للسلام والأمن، وهذا يشمل أيضا الجريمة والحوادث المرورية والضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
إن الطبقات الوسطى المشكّلة للمدن والتمدن تملك في العادة (أو يجب أن تملك) رؤية واضحة واعية للحياة والمكتسبات التي تريدها. وبسبب الفجوة الكبيرة بين ما ترغب فيه وبين الإمكانات المادية للفرد من أبناء الطبقة الوسطى، فإن المجتمعات والطبقات تتصالح وتتعاون على منظومة من التشريعات والبرامج والمؤسسات والسلوك وأسلوب الحياة، وعقد اجتماعي ينظم ويدير هذه المنظومة وفق ما يحقق أهداف الفرد وسعادته ويحميه من الاستبداد والظلم ويضمن حريته. وهكذا كانت الفردانية والديمقراطية والثقافة والفنون والجمعيات والنقابات والأحزاب والمبادرات الفردية والإبداع، وكانت أيضا حالات من القسوة والتطرف والجريمة والانحراف. ولكن يفترض أن نظام المدينة يصلح نفسه بنفسه؛ فإذا تُرك العقد الاجتماعي المنبثق أساسا من الفردية يعمل، فإنه ينتج حلوله الخاصة بقدر من الحيوية والتطور والتراكم يجعل المشكلات والعيوب تتناقص، وهذه قد تبدو مقولة بحاجة لتفسير وإثبات وجدال وإن كانت في نظر أنصارها بديهية مقبولة، ولكنها في العالم الإسلامي تبدو مناقضة إلى درجة الصدمة.
الطبقات الوسطى تحتاج أن تنشئ نظاما اجتماعيا وثقافيا وسياسيا يحقق تطلعاتها ورؤيتها واحتياجاتها بأفضل مستوى ممكن. ولأجل ضمان هذه المنجزات وتطويرها، أنشئت المجالس البلدية والأحزاب السياسية والجمعيات المهنية، والمسارح والفنون والآداب، ونشأ المجتمع المدني ليوفق بين مطالب الفرد وحمايته وبين وجهة الحكومات والشركات، ولأجل أن تحقق الضرائب التي يدفعها المواطنون عائدا حقيقيا في حياتهم وتطلعاتهم. ولكن ضمانة حماية هذا العقد الاجتماعي وتحقيق أهدافه تأتي من الفردانية؛ فالأغلبية المعبرة عمليا عن المدينة والديمقراطية يجب أن تحمي الأقليات والأفراد، وأن تتيح لهما العمل والنشاط لأنهما بمبادراتهما وبقائهما على الأقل يضمنان عدالة الديمقراطية والأغلبية، ويجعلان النظام قادرا على الرقابة والتغيير والإصلاح، فتغييب الفرد يؤدي حتما إلى الاستبداد وفساد الديمقراطية نفسها.
وبذلك، فإن المدن تنشئ نظاما اجتماعيا وثقافيا دقيقا وصارما يحمي حقوق الناس ومصالحهم وخصوصيتهم، ويمنحهم أيضا الدفء والانتماء، ويجعل الخروج عليه أمرا شاذا مرفوضا، تماما كما تتشكل حالات من الرفض والصدمة في الريف والبادية لأنماط من السلوك والثقافة تبدو متقبلة وأصيلة في المدينة. وأكثر شيء شذوذا في المدن هو "التطرف"، وما ينشأ عنه من عنف وصخب وفضول وتطفل وتشدد.
وهكذا، فإن بين التطرف والتمدن عداوة كبيرة، تجعل التمدن الضمانة الأساسية لمواجهة العنف والتطرف وتحقيق الأمن والاستقرار."الغد"
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير